• العنوان:
    عقوباتُ صنعاء على شركات النفط الأمريكية: ورقة ضغط تتجاوزُ الرمزية
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    العقوبات كرسالة سياسية مفادها أن النفوذ الاقتصادي الأمريكي لم يعد في مأمن، وأن الشركات التي طالما ارتبطت قوتها بسطوة واشنطن لم تعد محصّنة كما كانت.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

     

عندما أعلنت صنعاء إدراج كبريات الشركات النفطية الأمريكية، وعلى رأسها إكسون موبيل وشيفرون، على قوائم عقوباتها، بدا الأمر في البداية وكأنه خطوة رمزية لا أكثر.

غير أن التمعّن في دلالات القرار يكشف عن أبعاد استراتيجية تتجاوز حدود التصعيد الإعلامي، لتضع المصالح الاقتصادية الأمريكية أمام تهديد من نوع مختلف.

هذه الشركات لم تصل إلى القمة العالمية لمُجَـرّد كفاءتها التجارية؛ بل لأَنَّها استفادت من المِظلة الأمريكية سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا؛ ما سهّل لها الاستثمار في أكثر من 60 دولة حول العالم وفي كُـلّ قارة، ومنحها امتيَازات لا تُتاح لغيرها.

بل إن مصالحها كانت جزءًا من الحروب التي خاضتها واشنطن، وفي مقدمتها حرب العراق عام 2003، حَيثُ شكّل النفط أحد المحركات الرئيسية للغزو.

لكن مع صنعاء يختلف المشهد جذريًّا.

فأمريكا تخوض حربًا ضدها منذ أكثر من عقد، سواء عبر التدخل المباشر أَو بالوكالة، ورغم الإمْكَانيات الضخمة لواشنطن، فَــإنَّها لم تحقّق أهدافها، بل إن المواجهات الأخيرة في البحر الأحمر وباب المندب انتهت بانسحاب القوات الأمريكية وهي تجر ذيل الهزيمة، تاركة المجال لتفوق صنعاء العسكري البحري.

وفي هذا السياق، تأتي العقوبات كرسالة سياسية مفادها أن النفوذ الاقتصادي الأمريكي لم يعد في مأمن، وأن الشركات التي طالما ارتبطت قوتها بسطوة واشنطن لم تعد محصّنة كما كانت.

العقوبات التي فرضتها صنعاء ليست مالية تقليدية مثل تلك التي تمارسها واشنطن، لكنها تفتح الباب أمام أشكال أُخرى من الضغط؛ فاستهداف السفن المرتبطة بهذه الشركات أَو المشتبه في تعاملها معها يرفع تكاليف الشحن ويعقّد حركة التجارة، كما أن السمعة التي طالما تميزت بها هذه الشركات؛ باعتبَارها محمية بقوة واشنطن بدأت تتآكل، وأقساط التأمين في الممرات البحرية ارتفعت بشكل ملحوظ، في إشارة إلى أن هذه القوة لم تعد تمنحها التفوق الذي اعتادت عليه.

الفارق هنا أن مصالح هذه الشركات في العراق فُتحت لها عبر بوابة الغزو الأمريكي وما تبعه من عقود واستثمارات ضخمة، بينما في اليمن لا تملك صنعاء ثروة نفطية لتمنحها عقودًا أَو امتيَازات، بل تمتلك أوراق ضغط عسكرية بحرية قادرة على تعطيل طرق التجارة وتهديد سلاسل الإمدَاد وإرباك أسواق الطاقة.

هذا ما يجعل العقوبات في ظاهرها رمزية، لكنها في عمقها ورقة ضغط استراتيجية.

الخلاصة أن خطوة صنعاء تمثل رسالة مزدوجة: فهي إعلان سياسي يكشف أن اليد الاقتصادية لواشنطن ليست بمنأى عن الاستهداف، وفي الوقت نفسه تأكيد استراتيجي على أن التفوق العسكري البحري لصنعاء قلب معادلة القوة وأجبر واشنطن على الانكفاء.

قد لا تخسر إكسون وشيفرون ملياراتها في المدى القريب، لكنها فقدت ما كان يميزها عن بقية الشركات العالمية؛ أي السمعة والتأمين المرتبطين بقوة واشنطن، ومع استمرار التصعيد البحري، قد تتحول العقوبات من ورقة رمزية إلى تهديد استراتيجي لمكانة هذه الشركات في سوق الطاقة العالمي.