-
العنوان:خُطَّة ترامب لغزة.. مشروعُ إدارة أم تصفيةٌ للقضية؟!
-
المدة:00:00:00
-
الوصف:
-
التصنيفات:مقالات
-
كلمات مفتاحية:
خلال الساعات الثمان والأربعين
الماضية، ضجّت وسائل الإعلام بترويج خطة جديدة أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب لإنهاء الحرب في غزة، تحت عنوان "السلام" و"إعادة
الإعمار". غير أن قراءة متأنية لبنودها تكشف أنها ليست خطة سلام بقدر ما هي
مشروع لإعادة هندسة غزة سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا بما يتوافق مع الرؤية الأمريكية
– الصهيونية.
تبدأ الخطة بوعود لامعة: وقف فوري لإطلاق
النار، إدخَال مساعدات عاجلة، فتح ممرات إنسانية، وإطلاق سراح جميع الرهائن خلال
72 ساعة. وهذه العبارات الإنسانية تشكل الغلاف الخارجي للخطة، لكنها تُخفي بين
سطورها إجراءات جوهرية تهدف إلى تغيير قواعد اللعبة في غزة.
فمن أبرز ما جاء في الخطة، إدارة
القطاع من خلال حكومة تكنوقراط فلسطينية انتقالية، يُستبعد منها تمامًا أي دور
لحركة حماس، مع إنشاء "مجلس سلام" يرأسه ترامب نفسه ويضم شخصيات دولية
مثل توني بلير، للإشراف على المرحلة الانتقالية. هذا المجلس لا يُخفي طابعه
السياسي، بل يكرس وصاية أمريكية مباشرة على غزة، ويجعل من ترامب وصيًّا أعلى على
مستقبلها.
إلى جانب ذلك، تشترط الخطة نزع سلاح
غزة وتجريد المقاومة من قدراتها العسكرية، بما يشمل الصواريخ والأسلحة الثقيلة، وهو
ما يعني في الجوهر تجفيف مصدر القوة الوحيد الذي واجه به الفلسطينيون العدوان
الصهيوني. وهنا يتضح أن الحديث عن "السلام" ليس سوى غطاء لفرض الاستسلام
على المقاومة.
أما الجانب الاقتصادي، فقد جرى
تسويقه بكثافة: وعود بإعادة إعمار شاملة، واستثمارات بمليارات الدولارات، وتمويل
من دول عربية ودولية، خَاصَّة الخليجية. لكن هذا الجانب يبدو أشبه بالجزرة التي
تُقدَّم مقابل العصا الثقيلة، فالمساعدات مشروطة بالقبول بالترتيبات السياسية
والأمنية التي تفرضها الخطة.
من "صفقة القرن" إلى "خطة
غزة".. تغيير في الشكل وثبات في الجوهر
عند قراءة تفاصيل الخطة الجديدة، سرعان
ما تقفز إلى الذهن "صفقة القرن" التي أعلنها ترامب عام 2020. فالخطة
الحالية ليست سوى نسخة معدلة منها، مع اختلاف السياق والزمن، بينما يظل الجوهر
واحدًا: تصفية القضية الفلسطينية عبر حلول اقتصادية وإدارية.
في "صفقة القرن"، نصّت
الخطة على أن القدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، بينما تُركت للفلسطينيين ضواحٍ
بعيدة عن المدينة لتكون "عاصمة رمزية". واليوم في الخطة الجديدة، يُستبعد
الحديث عن القدس نهائيًّا، وكأنها قضية محسومة لم يعد هناك جدوى من ذكرها.
في "صفقة القرن"، طُرح أن
تكون الدولة الفلسطينية عبارة عن جزر منفصلة مرتبطة بجسور وأنفاق، بلا سيادة على
الحدود أَو الأجواء. واليوم في خطة غزة، يُعاد إنتاج الفكرة لكن عبر "حكومة
تكنوقراط انتقالية" بلا سلاح وبلا سيادة، تحت إشراف دولي مباشر.
في "صفقة القرن"، كان
البُعد الاقتصادي محوريًّا عبر وعود بمشاريع تنمية واستثمارات خليجية ودولية ضخمة،
بلغت آنذاك 50 مليار دولار. واليوم يُعاد المشهد نفسه: وعود بإعمار غزة وتدفق
المساعدات، شرط أن يتم القبول بالشروط السياسية والأمنية.
في "صفقة القرن"، جرى استبعاد
حق العودة نهائيًّا، وتصفية قضية اللاجئين. أما في الخطة الجديدة، فالقضية تُغيَّب
بالكامل، كأنها غير موجودة أصلًا.
في "صفقة القرن"، رُوّجت
الخطة على أنها "فرصة القرن"، وسارعت بعض الأنظمة العربية إلى الترحيب
بها رغم رفض الشعوب. واليوم يتكرّر المشهد ذاته: أنظمة تُساير الخطة الجديدة خوفًا
من واشنطن، وشعوب ترفض وتستنكر.
ردود الفعل ومأزق الأنظمة
ردود الفعل على الخطة الجديدة جاءت
متباينة. بعض الأنظمة العربية سارعت إلى الترحيب أَو التفاعل الإيجابي معها، وهو
ما يوحي بأنها كانت مطلعة على خطوطها العامة قبل إعلانها. في المقابل، التزمت أطراف
أُخرى الحذر، بينما كان الشارع العربي والفلسطيني أكثر وضوحًا في رفضه لأي مشروع
يُقصي المقاومة ويصادر حقوق الشعب الفلسطيني.
المهلة الزمنية التي وضعتها الخطة –
72 ساعة أَو أربعة أَيَّـام – تكشف الطابع الضاغط والإكراهي للمشروع. فهي لا تترك
مجالًا لحوار جاد أَو تفاوض متوازن، بل تضع حماس والفصائل أمام خيارين أحلاهما مر:
القبول بشروط قاسية تعني إقصاءها وتجريدها، أَو الرفض وتحميلها أمام المجتمع
الدولي مسؤولية استمرار الحرب.
المؤشرات تدل على أن (إسرائيل) ستواصل
تنفيذ بعض جوانب الخطة حتى لو رفضتها حماس، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات
أحادية الجانب، مثل تكريس إدارة انتقالية بدعم دولي، وفرض نزع السلاح كأمر واقع. وهذا
يعني أن الخطة ليست مُجَـرّد ورقة تفاوضية، بل قد تتحول إلى سياسة أمر واقع تُفرض
بالقوة العسكرية والدعم الدولي.
جوهر الأزمة
جوهر الأزمة لا يكمن فقط في تفاصيل
الخطة، بل في فلسفتها الكامنة: التعامل مع غزة؛ باعتبَارها ملفًا إنسانيًا–أمنيًّا
يحتاج إلى إدارة وترويض، لا؛ باعتبَارها جزءًا من قضية تحرّر وطني. إنها امتداد
لنهج "صفقة القرن"، الذي سعى لتصفية القضية الفلسطينية عبر حلول اقتصادية
وإدارية تُلغي الحقوق الجوهرية.
الخطر الأكبر أن تتحول بعض الأنظمة
العربية إلى أدَاة تسويق لهذه الخطة، تحت ذريعة الإعمار والاستقرار. لكن الشعوب –
كما أثبتت التجارب – ليست مستعدة لابتلاع هذه الطُعم، خَاصَّة وقد عاشت وشاهدت حجم
التضحيات في غزة والضفة خلال السنوات الماضية.
ختامًا.. الخطة في ظاهرها "سلام
وتنمية"، لكنها في جوهرها محاولة لصياغة غزة جديدة بلا مقاومة، بلا سلاح، تحت
وصاية أمريكية وصهيونية، وبتمويل عربي. وهي بهذا المعنى ليست مشروع سلام، بل مشروع
استسلام مغلف بورق ملون.
إن قراءة دقيقة لهذه الخطة تجعلنا ندرك أن القضية الفلسطينية تدخل مرحلة جديدة من الصراع: مرحلة يُراد فيها تحويل المقاومة إلى مُجَـرّد ذكرى، وغزة إلى مختبر سياسي–اقتصادي تُدار من الخارج. لكن يبقى السؤال الكبير: هل يقبل الفلسطينيون ومعهم الأُمَّــة بهذا التحوير؟ أم أن وعي الشعوب ومقاومتها سيعيدان رسم المعادلة من جديد؟
تغطية إخبارية | حول آخر التطورات والمستجدات في غزة ولبنان | مع أركان بدر و عصري فياض و علي حمية و نضال زهوي 09-05-1447هـ 31-10-2025م
تغطية إخبارية | حول آخر التطورات والمستجدات في غزة و لبنان و السودان | مع د. وليد محمد علي، و العميد علي أبي رعد، و العقيد أكرم كمال سيروي، و د. نزيه منصور 09-05-1447هـ 31-10-2025م
تغطية إخبارية | حول آخر التطورات والمستجدات في غزة و لبنان و السودان | مع العميد عمر معربوني و حسين مرتضى و محمد جرادات و حمزة البشتاوي و محمد عثمان و إيهاب شوقي 08-05-1447هـ 30-10-2025م
تغطية إخبارية | حول آخر التطورات والمستجدات في غزة | مع عماد أبو الحسن و عبدالإله حجر 08-05-1447هـ 30-10-2025م
الحقيقة لاغير | ما هي أسباب وأسرار العداء السعودي التاريخي لليمن وماذا عن وصية عبد العزيز لمنع استقرار اليمن واستقلاله؟ | 06-05-1447هـ 28-10-2025م
🔵 الحقيقة لاغير | قراءة في الموقف اليمني إلى جانب غزة وفلسطين على ضوء مائة عام من الصراع العربي الإسرئيلي - ( الجزء 02) | 04-05-1447هـ 26-10-2025م
الحقيقة لاغير | قراءة في الموقف اليمني إلى جانب غزة وفلسطين على ضوء مائة عام من الصراع العربي الإسرئيلي - ( الجزء 01) | 03-05-1447هـ 25-10-2025م
لقاء خاص | مع السيد عبدالكريم نصرالله (والد شهيد الإسلام والإنسانية السيد حسن نصرالله) 06-04-1447هـ 28-09-2025م
لقاء خاص | مع عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب رامي أبوحمدان - قراءة في المشهد اللبناني وتطوراته 22-02-1447هـ 16-08-2025م