• العنوان:
    ارتباك الجزيرة.. حين اصطدم المذيع بمرآة الأمس
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    لم يكن المشهد الذي ارتسم على شاشة الجزيرة مُجَـرّد تبدل في خطاب إعلامي بل كان أشبه بارتجاج داخلي أصاب أعصاب القناة وأربك وجدان المذيعين والمحللين والمشاهدين على حَــدٍّ سواء.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

المؤسّسة التي بنت صورتها على أنها منصة للمظلومية الفلسطينية ونافذة حية على دماء المراسلين الذين دفعوا أرواحهم ثمنًا للحقيقة، وجدت نفسها فجأة أمام مأزق لا تستطيع التستر عليه....

تحوّل سياسي قطري فج، أجبرها على تعديل بوصلة خطابها بما يتناقض مع أرشيفها وذاكرتها وصورتها لدى المتلقي العربي.

لقد شكل العدوان على قادة حماس في قلب الدوحة صفعة لهيبة الدولة المضيفة، وضربة في عمق السردية الإعلامية التي رعتها القناة لسنوات.

 ومنذ تلك اللحظة بدأ التحول، فالخطة التصعيدية التي كانت مرسومة على الطاولة الإعلامية طويت في صمت، وارتفعت الإشارات الخضراء نحو خطابٍ جديد يتماهى مع نبرة رسمية ترحب بخطط البيت الأبيض المسمومة، وتفتح الطريق أمام السلام المزيف مع القاتل ذاته الذي كانت شاشات الجزيرة تسميه (محتلًّا مجرمًا) بالأمس القريب.

المأزق هنا ليس في التحول ذاته فحسب بل في الانكسار المهني الذي انعكس على المذيع أمام الكاميرا، كيف له أن يقرأ نشرة اليوم بنبرة مغايرة تمامًا لنشرة الأمس؟

كيف لمن ملأ أذني المتابعين بصيحة "لا سلام مع القاتل" أن يبتلع لسانه ويبارك اتّفاقيات تُشرعن القاتل وتشرّد الضحية؟ إنها معضلة أخلاقية قبل أن تكون مهنية، وتكشف حجم الهُوة بين إعلام يزعم الموضوعية وبين سلطة سياسية تفرض عليه إيقاعها مهما كان النشاز.

الخِذلان الإسلامي لم يكن قطريًّا فحسب؛ فما فعلته الدوحة تبعته عواصم عربية أُخرى، هرولت إلى الاصطفاف خلف خطط لم تُصغ حتى بلغة دبلوماسية أنيقة، بل فرضت كأمر واقع كوصاية على شعوب المنطقة ومصادرة لتاريخ طويل من التضحيات، وهنا يظهر العطب الأعمق.

عجز النظام العربي البعيد عن محور المقاومة أن يكون وفيًّا لعدالة فلسطين أَو حتى ثابتًا أمام ذاكرته السياسية.

إنها لحظة تكشف هشاشة الأيديولوجيا الإعلامية حين تصطدم بجدار المصالح، ارتباك الجزيرة لم يكن حادثًا عابرًا بل علامة فارقة على أن إعلام الدول المطبعة مهما بلغ من جرأة يظل مرتهنًا لقرار سياسي فوقي .

أما المذيعون الذين أحرجهم التناقض بين ما قالوه بالأمس وما يُطلب منهم قوله اليوم، فليس أمامهم إلا خياران؟!

 إما البقاء في مسرحية يضبط إيقاعها الآخرون، أَو الانسحاب بصمت من مشهد لم يعد يشبههم.