الحكومةُ اللبنانية، حكومةُ نواف سلام، أقامت الدنيا ولم تُقعدها قبل يومينِ؛ ليس لأن الكيانَ الصهيوني انتهكَ سيادةَ لبنان وسفكَ الدم اللبناني ودنَّس الأرض اللبنانية، لا، ليس لمثل ذلك ثارت ثائرةُ حكومةِ نواف سلام، فالانتهاك الصهيوني للسيادة اللبنانية، وسفكُ الدم اللبناني، وتدنيسُ الأرض يكاد لا يتوقف يوميًّا، ليس خُلسة بل جِهارًا نهارًا وعلى مَرأى ومَسمع من حكومةِ نواف سلام!

وقد صادف يومُ الخميس الماضي الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد شهيد لبنان، شهيد الإسلام والإنسانية، أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله -رضوان الله عليه- وتجمع محبوه لإحياء هذه الذكرى في ساحةٍ عامة في بيروت تُسمى منطقة الروشة التي بها صخرة الروشة المنتصبة شامخة شموخ المقاومة وسط المياه في ساحل بيروت.

وزعمت حكومةُ نواف سلام أنها، وبفعل سيطرتها على الأوضاع داخليًّا وخارجيًّا، قد منحت محبي الشهيد ترخيصًا محدودًا لإقامة فعالية الذكرى السنوية الأولى لاستشهاده، على أن لا تتجاوز الفعاليةُ الحدودَ المسموح بها في الترخيص!

وبطبيعة الحال، فحكومةُ نواف سلام غيرُ معنيةٍ بإحياء هذه الذكرى، ولو كانت معنيةً بها لكانت في الصفوف الأولى للحاضرين، لكنها معنية فقط بمراقبة سلوك المحبين وما يمكن أن ينتج عن تفاعلهم مع الذكرى من تجاوزات خطيرة لحدود الترخيص الممنوح منها، وقد تُعد تلك التجاوزات بمثابة انتهاك لسيادة الحكومة وتستوجب المساءلةَ والمؤاخذةَ للمحبين المذنبين!

وكانت قنواتُ النفاق الناطقة بالعربية في تغطية شاملة ومتواصلة للفعالية، ليس حبًا في صاحب الذكرى، بل لكشف التجاوزات المحتملة ووضع حكومة نواف سلام في صورة الحدث أولًا بأول، وما هي إلا دقائق بعد بدء الفعالية حتى بدأت التساؤلات حول صخرة الروشة، وما إذَا كانت ستمثل جانبًا مضيئًا في إحياء الذكرى الأولى لشهيد لبنان، شهيد الإسلام، وشهيد الإنسانية، أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ورفيقه السيد هاشم صفي الدين؟

بكل الاعتبارات، الأصل أن تنال صخرةُ الروشة شرفَ الاحتفاء بذكرى الاستشهاد، فاعتبار الشهيد السيد حسن شهيدَ لبنان شرفٌ لكل لبناني، وكل صخرة، وكل ذرة رمل، وكل حصاة، وكل شجرة في لبنان، للاحتفاء بذكرى الاستشهاد. وهذا الاعتبار كافٍ بمفرده ليحتفي لبنان، كُـلّ لبنان أرضًا وإنسانًا، بذكرى الاستشهاد، ولا مبرّر لحكومةِ نواف سلام أن تستثني صخرةَ الروشة من شرف الاحتفاء بهذه الذكرى العظيمة.

وباعتبار الشهيد السيد حسن نصر الله -رضوان الله عليه- شهيد الإسلام، فالأصل أن تحيي الأُمَّــة، كُـلّ الأُمَّــة، حكامًا ومحكومين، هذه الذكرى، ولا مبرّر لحكومةِ نواف سلام أن تستثني نفسها أَو تستثني صخرةَ الروشة من واجب الاحتفاء بهذه الذكرى، فالشَّهيد شهيدُ الإسلام، وكل أُمَّـة الإسلام معنية بإحياء هذه الذكرى.

واعتبار الشهيد السيد حسن نصر الله -رضوان الله عليه- شهيد الإنسانية، فالواجب الإنساني يَحتِّم على الإنسانية، كُـلّ الإنسانية، بجغرافيتها وديمغرافيتها، الاحتفاء بهذه الذكرى، ولا مبرّر لحكومةِ نواف سلام، فيما ضمنته مسمى ترخيصها من استثناء لصخرة الروشة، أن تحرمها شرف الاحتفاء بذكرى شهيد لبنان والإسلام والإنسانية!

ورغم استثناء حكومةِ نواف سلام -في مسمى الترخيص- لصخرة الروشة من الاحتفاء بالذكرى السنوية الأولى لشهيد لبنان والإسلام والإنسانية، فقد أصر المحبون وأصرت الصخرةُ الصماء الشامخة شموخ مقاومة لبنان على الاحتفاء بالذكرى وإحيائها على أرقى مستوى، رغم أنف حكومةِ نواف سلام، وشُرِّفت فعلًا صخرة الروشة بصورة الشهيد القائد السيد حسن نصر الله ورفيقه السيد هاشم صفي الدين، وتلألأت بنور وجهَيهما.

وقد أزعج هذا التجاوزُ الخطير حكومةَ نواف سلام، التي بادرت إلى التهديد والوعيد بمحاسبة ومحاكمة ومعاقبة المحبين المذنبين المخالفين لقرار الترخيص الذي استثنى صخرة الروشة عمدًا من الاحتفاء بإحياء هذه الذكرى!

ولم تكتفِ الحكومةُ بمُجَـرّد التهديد والوعيد، بل إنها أوعزت إلى النيابة العامة تحريك الدعوى الجزائية ضد المحبين المحتفين المتجاوزين المخالفين لمسمى الترخيص لتقديمهم للمحاكمة، لينالوا جزاءَهم الرادع كونهم يذكرون اللبنانيين خُصُوصًا، والأمةَ والإنسانيةَ عُمُـومًا، بواجب مواجهة الصهاينة المعتدين المجرمين!

والواضح أن حكومةَ نواف سلام تهدف من خلال تحَرّكها الداخلي الحازم وتراخيها الخارجي الفاضح إلى إثبات أنها سائرةٌ بجد في طريق تنفيذ الإملاءات الصهيوأمريكية التي تضمنتها الورقةُ الأمريكية التي أملاها توم براك، وعلى رأس الإملاءات نزعُ سلاح حزب الله تحت عنوان "حصر السلاح بيد الدولة"!

وتريد حكومةُ نواف سلام أن تثبت للصهيوني والأمريكي أنها لا تعمل على مُجَـرّد نزع سلاح حزب الله فحسب، بل إنها تعمل على محاصرة الحزب في جميع المجالات، ومنها منعه حتى من مُجَـرّد التعبير علنًا عن حبه لقائده السيد الشهيد حسن نصر الله -رضوان الله عليه- لكن هيهات أن يكون لـ"حكومة الروشة" ذلك.