• العنوان:
    الشهيد نصر الله وجدانٌ لا يغيب
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    لم يكنِ الارتباطُ بالسيّدِ الشهيد مجرّدَ ولاءٍ سياسيٍّ أو انتماءٍ حزبيٍّ أو مذهبيّ؛ بل كان حالةً تتجاوزُ الاصطفافَ إلى الانصهار، وتعلو على الحسابات إلى مساحةٍ من الوجدِ الصادقِ واليقينِ النقيّ.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

لقد احتضنَه الوجدانُ الشعبيّ، لا لأنّه خاطبَ عقولَ الناس فقط، بل لأنّه لامس جوهرَهم الإنساني، وتكلّم بلسانِ معاناتِهم، ووقف في صفِّ أحلامِهم المنسيّة، وصان كرامتَهم.

في زمنٍ تكدّست فيه الأقنعة، وازدحمت المنابرُ بالزيف، كان هو الكلمةَ الصادقةَ في وجه الكذب، والنبرةَ الهادئةَ في عاصفةِ الضجيج، لم يأتِ من قصورِ النخبة، بل خرج من أزقّةِ "شرشبوك" البائسة، من عتمةِ الواقعِ اللبنانيّ والعربيّ، محمولًا على كتفِ المعاناة، ملتحفًا كرامةَ الفقراء وصدقَ البسطاء.

كان "العبدَ الصالح" صوتًا للحقيقة في زمنِ الخرس، ورايةً للكرامة في وجهِ السلاطينِ الجدد الذين هندسَهم الدينُ الأمريكيّ، أولئك الذين جعلوا من الدين أداةً للهيمنة لا للهداية.

إنّ ارتباطَ الناس به لم يكن عابرًا ولا مصطنعًا، بل امتدَّ عميقًا في نسيجِ الوعي والذاكرة، حتى صار جزءًا من المخيالِ الجمعيّ للنصرِ والعزّة، وركيزةً من ركائزِ المعنى في حياةِ الأُمّة.. لقد صار رمزًا يُستدعى كلّما اشتدَّ الظلام، لأنّه لم يكن فردًا، بل ظاهرةً وجوديّة تعبّر عن إمكانِ الإنسان في أقصى تجلّياتِه الأخلاقيّة.

لقد أعاد السيّدُ الشهيد تعريفَ معنى الإيمان، ليس كمجرّد اعتقاد، بل كموقف. وجسّد الصدقَ لا كفضيلةٍ معزولة، بل كمنهجٍ يُترجَم في الفعلِ والموقفِ والتضحية. وفي زمنٍ اختنق فيه المعنى، أعاد بثَّ الروحِ في اللغة، والمعنى في الموقف، والنُّبلَ في المقاومة.

واليوم، إذ يفتقدُه اللسان، فإنّ الذاكرةَ لم تغبْ عنه، والوجدانَ لم ينفصلْ عنه. لقد تحوّل من جسدٍ غادرَنا، إلى نبضٍ يُلهمُنا، وفكرةٍ تُؤسّس لنهجٍ حضاريٍّ مقاوم، لا تنحني فيه الهامةُ إلّا لله، ولا يُؤخذ القرارُ فيه إلّا من ضميرِ الحقّ.. إنّه باقٍ، لا بوصفه شهيدًا فقط، بل بوصفه وعيًا حيًّا لا يُهزَم، وأثرًا خالدًا لا يُمحى.

كاتب فلسطيني