• العنوان:
    ثمن الحقيقة في سوق التطبيع
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    يبقى ثمنُ الحقيقة في سوق التطبيع باهظًا، يدفعُه الفلسطينيون من دمهم، وتدفعُه الأُمَّــة من كرامتها؛ فلا يمكن أن نبني َسلامًا حقيقيًّا على أنقاض الحق والضمير.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

       

في زمن باتت فيه الأمانة السياسية تُقاس بمكاسب عابرة، وارتفع فيه صوت المصلحة على نداء المبادئ، يجد المثل اليمني البليغ "الصراحة راحة" صدىً فريدًا في أروقة قضايانا المصيرية. إنها ليست مُجَـرّد حكمة شعبيّة، بل هي نداء للضمير، وصرخة في وجه التزييف، تدعونا إلى وقفة صدق مع أنفسنا أمام قضية فلسطين التي كانت وما تزال ميزان عدل أمتنا. فهل باتت الصراحة ترفًا لا يمكن تحمله؟ أم أنها الحقيقة التي يجب مواجهتها وإن كانت مرة؟

لقد أثبتت الأيّام أن التطبيع الذي تهافتت عليه بعض الأنظمة العربية ليس مُجَـرّد قرار سياسي، بل هو ثوب مزركش يخفي عري الحقيقة. ففي خضم هذا السوق، يُباع شيءٌ أثمن من النفط والسلاح، إنه الحقيقة التاريخية لمأساة شعب اقتُلعت جذوره، والحقيقة الأخلاقية لوعدٍ أُعطِيَ ثم أُخلِف. لقد قال الله تعالى: "وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ"، فكيف للأُمَّـة أن تلبس حق فلسطين بباطل التطبيع وتكتم حقيقتها الواضحة؟

"الصراحة راحة" هنا ليست مُجَـرّد دعوة للمواجهة المباشرة، بل هي دعوة للصدق مع الذات. الصدق في الاعتراف بأن التطبيع قد لا يخدم القضية الفلسطينية، بل قد يمنح الاحتلال غطاءً عربيًا كان يفتقر إليه. فكيف نُصدق أن من يقتل أطفالنا ويهدم بيوتنا يمكن أن يكون شريكًا في السلام؟

إن راحة التطبيع المزعومة هي راحة مؤقتة قائمة على الهروب من مواجهة الواقع. وصدق الله؛ إذ يقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ". فإذا كنا نؤمن بعدالة قضيتنا، فكيف نفعل عكس ما نؤمن به؟

القضية الفلسطينية ليست مُجَـرّد قضية حدود أَو نزاع على أرض، بل هي قضية وجود وهُوية. وأية تسوية لا تقوم على أَسَاس الحق والعدل هي تسوية هشة.

لهذا، يبقى ثمن الحقيقة في سوق التطبيع باهظًا، يدفعُه الفلسطينيون من دمهم، وتدفعه الأُمَّــة من كرامتها. فلا يمكن أن نبني سلامًا حقيقيًّا على أنقاض الحق والضمير.

لتبقى الصراحة هي الراحة الحقيقية، التي لا تُقاس بالصفقات، بل بالضمير. فالأمة التي تبيع حقيقتها، ستجد نفسها في نهاية المطاف تائهًا بلا بوصلة، حتى لو امتلكت كُـلّ الثروات. إن القلوب لا تستريح إلا بالصدق، والنفوس لا تطمئن إلا بالحق، والراحة الحقيقية تكمن في أن نقول ما نؤمن به، وأن نفعل ما يمليه علينا ضميرنا.