• العنوان:
    قوة الإيمان تكسر حصون الطغاة
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    كم تباهى الكيان الإسرائيلي بالقبة الحديدية، وكم نافقت قنواتهم الإعلامية حتى أوهموا بها ضِعافَ القلوب، وأرعبوا من قلّ يقينه بالله، فخرجت من أقاصي الجزيرة مسيّرة يمانية، صنعت بجهد متواضع ونيّة خالصة، فهوت كُـلّ دعاياتهم وسقطت هيبتهم.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

    

القرآن الكريم يفتح أمام القلوب بابًا من التأمل في قدرة الله التي لا تحد، وكيف أن من ظن نفسه في مأمنٍ وراء حصونه وقبابه الفولاذية لا يحميه شيء إذَا جاء أمر الله، {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ من حَيثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}، إنها مشهد من مشاهد السنن الإلهية التي تتكرّر في كُـلّ عصر، حين يتيه الطغاة بقوتهم ويغترّ المستكبرون بما صنعوا بأيديهم، فتأتيهم الضربة من حَيثُ لا يتوقعون، ويقذف في قلوبهم الرعب فينهار بنيانهم بأيديهم قبل أن تمتد إليه أيدي المؤمنين.

كم تباهى الكيان الإسرائيلي بالقبة الحديدية، وكم نافقت قنواتهم الإعلامية حتى أوهموا بها ضِعافَ القلوب، وأرعبوا من قلّ يقينه بالله، فخرجت من أقاصي الجزيرة مسيّرة يمانية، صنعت بجهد متواضع ونيّة خالصة، فهوت كُـلّ دعاياتهم وسقطت هيبتهم، وهذا وعد الله يقول للناس جميعًا: هكذا تصنع القدرة الإلهية عندما يشاء الله أن يظهر الحق ويزهق الباطل، {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.

ليست هذه الحادثة استثناء، فسنن الله واحدة لا تتبدل ولا تتحول، وما كان لنمرود منعة حين أنهته بعوضة، ولا لفرعون حماية حين شق البحر وأطبق عليه موجه، واليوم يتكرّر الدرس، فترى كيانًا يملك أحدث الصناعات العسكرية وأضخم الجيوش، تنكس رايات كبريائه أمام طائرة لا تتجاوز قيمتها ألفي دولار، والسر كُـلّ السر ليس في ذكاء صانعيها ولا في تقنيات خارقة، بل في العقيدة التي تحملها قلوب من أطلقوها، في يقينهم أن الله ينصر من ينصره، وأن الغلبة لأمر الله ولو كره الكافرون.

اليمن، وهو تحت حصار وجراح مُستمرّة منذ عقد من الزمان، تحَرّك بما يستطيع، نصرةً لغزة وأهلها، فبارك الله في ذلك القليل، وجعل منه الكثير، فأربك الحسابات، وأدخل الخوف في قلوب أعداء الأُمَّــة. إن الأُمَّــة متى ما استشعرت مسؤوليتها وقامت بواجبها، كان الله معها، يقوّي عدتها مهما صغرت، ويمنحها بأسًا يرهِب عدوها، لأن النصرة ليست بعدد ولا عُدة، وإنما هي صدقٌ مع الله واستجابة لأمره.

مسيرة واحدة، تقطع آلاف الكيلومترات، تحلّق منخفضة لتصيب هدفها بدقة لا يصدقها العدوّ، فتشلّ أقوى المنظومات الدفاعية وتربك عقول خبرائهم وتثير ذعر مستوطنيهم وتضرب اقتصادهم، فتغدو آية من آيات الله يشاهدها الناس عيانًا. وهذه الآية تقول لنا إن القوة الحقيقية ليست في الحديد فقط ولا في التكنولوجيا، بل في قلوب تعرف ربها، وفي أمم تتحَرّك بإيمانها ولو كانت محاصرة جائعة عطشى.

أبطال غزة وأنصار الله في اليمن أدركوا معنى قول الله: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}، فقاموا بما يستطيعون، وتحَرّكوا بما تيسّر، فأجرى الله على أيديهم ما يعجز عن تفسيره عتاة القوة في هذا العالم. هكذا تصنع السنن الإلهية مواعظ للتاريخ: لا سلطان لقوةٍ على إرادَة الله، ولا مقام لعُتوٍ أمام صبر أهل الحق، {إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.

إنها بلاغة الفعل الإلهي التي تتجدد في كُـلّ زمان، تعلن أن وعد الله قائم، وأن المستضعفين إذَا صدقوا مع ربهم صاروا هم الأعز، وأن الظالمين مهما امتلكوا من أسباب القوة فلن تمنعهم حصونهم من بأس الله، فتتساقط دعاياتهم، ويخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، فاعتبروا يا أولي الأبصار.