• العنوان:
    ماراثون التسلُّح العالمي
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    لم تتوجّـه السعوديّةُ نحو باكستان إلا بضوءٍ أخضرَ أمريكيّ؛ لأن الأخيرة فشلت في معركة البحرِ الأحمر، فأحضرت السعوديّةَ وبريطانيا للتعاونِ في تأمين البحرِ الأحمر؛ لتكون باكستان أدَاة إضافية ضد اليمن.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

        

تمخَّضت الحربان العالميتان الأولى والثانية عن سلاحٍ إجراميٍّ فتَّاكٍ أودى بمئات الآلاف من اليابانيين على يد الإجرام الأمريكيّ بالقنبلتين النوويتين اللتين أُلقِيَتا على هيروشيما ونجازاكي، فأسدلت الحربُ العالميةُ الثانيةُ الستارَ على أفظعِ جريمةٍ بشريةٍ حديثةٍ في ماراثون التسلُّح.

وكانت نهايةُ الحربِ الثانيةِ مؤذنةً بمرحلةٍ أكثرَ سباقًا في التسلح؛ فالاتّحاد السوفييتيُّ وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها كالهندِ وباكستان وكوريا الشمالية والعدوّ الإسرائيلي استطاعوا امتلاكَ السلاحِ النووي.

لكن أجمعَهم لم يُدرِكوا أمرًا محوريًّا يعدُّ درسًا إنسانيًّا مهمًّا يمكن الاستفادة منه، ويتمثّل ذلك الدرسُ فيما أقدمت عليه أمريكا من جريمةٍ بشعةٍ بذلك السلاحِ المتوحش.

وفي ثنايا هذا الدرسِ تراءت أمريكا عاجزةً محبَطةً، حَيثُ شكّلت تلك الجريمةُ عاملًا إيجابيًّا للشعبِ الياباني؛ ففي ظل الهيمنة الأمريكية عسكريًّا على اليابان إلا أن اليابانيين توجّـهوا نحو الممكن والمتاح، فأخضع الاقتصاد اليابانيُّ أمريكا، وكان أهم عاملٍ في ذلك هو الوعيُ والمسؤوليةُ والتحَرّك لدى اليابان، مما ولّد قناعاتٍ أمريكيةً بعدم جدوى ذلك السلاح.

ومما يؤكّـد عدمَ جدوى السلاحِ النووي أنّ أمريكا في العقود الأخيرة قد غزت دولًا، وخاضت حروبًا شرسةً، ولم تستطع خلالها استخدام السلاح النووي؛ وذلك لأنها أدركت -هي وغيرها ممن امتلكه- عدمَ جدواه في معاركها العسكرية، ولذا أدقُّ ما يُعبَّر عنه أنه سلاحٌ تقليديّ.

بل أصبح ذلك السلاحُ عبئًا ونقطةَ ضعف، فقد عانت روسيا إبان تفككها من تبعاتِ مفاعلاتها النووية؛ مما جعلها تفتح مصراعي بلدها لعدوِّها اللدود أمريكا؛ لمعالجة المشاكل النووية. وفي الصراع الروسيّ الأوكرانيّ صارت تلك المفاعلاتُ النوويةُ مصدرَ تهديدٍ لروسيا، ويماثلها العدوّ الإسرائيلي. أمّا مطالباتُ بعضِ قياداتِ الإجرام الصهيوني باستخدام ذلك السلاح، فضربٌ من الفشل، ولو استطاعوا لفعلوا، فهم متوحّشو الإجرام.

فيا تُرى، ما السلاحُ الجديد؟

لقد تحطّمت آمالُ مفاعلاتِ الغربِ النوويةِ على صخورِ الوعيِ والبصيرةِ والتحَرّك المسؤول، مما دفعهم إلى ماراثونِ تسلّحٍ من نوعٍ آخر يُطلَق عليه: (حروبُ الجيل الخامس)، ويُعبَّر عنه بـ (احتلال العقولِ لا الأرض)، وذلك لضرب الوعيِ والبصيرة، وتفعيلِ اللامسؤولية، والاختراق من الداخل، فإذا انتصر الغربُ في ذلك؛ تسنّى لهم الإخضاع والسيطرةُ ونهبُ الثروات وهتكُ الأعراض واحتلال الأوطان.

لقد تحوّل ماراثونُ التسلّحِ العالميّ، حَيثُ فرض الواقعُ العالميّ معادلاتٍ جديدةً لم يستوعبها الكثيرُ من أنظمة العالمِ الإسلامي، ولا سيما النظامُ السعوديّ، حَيثُ عقد اتّفاقيةَ التعاونِ بينه وبين باكستان، وكان ذلك بارقةَ أملٍ لتحقيق وحدةِ الأُمَّــة؛ لكن ما تبيّن منه خيّب الآمال.

إن تركيزَ الإعلامِ الخليجيِّ وغيره على محوريةِ السلاحِ النوويّ في تلك الاتّفاقية، كشف عن قضايا من أهمها:

1- تلويحٌ سعوديّ بمواصلةِ حربِها المفتوحةِ على اليمن منذ عقد، وإمْكَانياتٌ تسليحيةٌ جديدة.

2- لم تتوجّـه السعوديّةُ نحو باكستان إلا بضوءٍ أخضرَ أمريكيّ؛ لأن الأخيرة فشلت في معركة البحرِ الأحمر، فأحضرت السعوديّةَ وبريطانيا للتعاونِ في تأمين البحرِ الأحمر؛ لتكون باكستان أدَاة إضافية.

3- لطالما تودّدت السعوديّةُ لأمريكا؛ كي تمتلك مفاعلاتٍ نووية، مواكبةً لموضةٍ أصبحت قديمةً في التسلّح، فأوعزت أمريكا لصديقها الباكستاني بعدم الممانعة من ذلك التعاون؛ لكن المقابلَ كان باهظَ الثمن على قضيةِ الأُمَّــة (فلسطين)، ولذا تبنّت السعوديّةُ مؤامرةَ اعتبار الكيانِ المحتلّ دولةً ذات سيادة، وروّجت ذلك عالميًّا، فيُجرَّم عالميًّا من ينتهك تلك السيادة.

وهنا تظهر ثغراتٌ وفجواتٌ كبيرةٌ تنبئ عن فشلٍ ذريعٍ لتلك الخطط برمّتها، ومنها:

1- لقد انسحبت باكستان من تحالفِ عاصفةِ الحزم عند العدوانِ السعوأمريكي على اليمن، وما يكون لها أن تعيدَ الكرّة.

2- لقد فشل سابقًا العدوّ الإسرائيليّ والأمريكيّ في تحييدِ القوةِ العسكريةِ اليمنيةِ من البحرِ الأحمر.

3- وهنا ما يُعَدّ الأخطر على السعوديّة بالذات، حَيثُ أصبح التسلّحُ النوويّ سلاحًا تقليديًّا، فاقت أعباء تبنّيه أنظمة عالميةً كبرى، ناهيك عن عدمِ جدواه في هذه المرحلةِ التي تواكبها حروبُ الجيل الخامس، والسعوديّةُ قد وقعت في فخ هذه الحروب التي خلخلت شعبَها من الداخل؛ مما جعلها مُهيّأةً أكثر من ذي قبل للسقوط.