• العنوان:
    خيبة "الدوحة" تنحر غزة!
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    غيابُ إرادَة سياسية أكثرُ من ضعف إمْكَانات، عمدًا الموقف الرسمي يكتفي بدور "المتفرج الغاضِب"؛ لذا الاحتلال اختار الرد على مقرّرات الدوحة بنار ذات لهب أكبر على مدينة غزة.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

خيبة الأمل من مخرجات قمة الدوحة لم تكن حدثًا عابرًا، بل محطة كاشفة للفجوة الخطيرة بين نبض الشارع العربي والإسلامي من جهة، وحسابات الأنظمة الرسمية من جهة أُخرى. بينما تعيش غزة واحدة من أعنف الحروب وأكثرها وحشية في تاريخها، حَيثُ قُتل عشرات الآلاف وتشرّد الملايين في ظل حصار وتجويع ممنهج، جاءت القمة دون أن ترقى إلى مستوى التحدي، مكتفية بالبيانات اللفظية دون أي قرار ملزم يغيّر معادلات الصراع ويفرض كلفة حقيقية على العدوّ.

العجز العربي والإسلامي عن اتِّخاذ قرارات عملية أصبح سمة متكرّرة تكشف غياب الإرادَة السياسية أكثر من ضعف الإمْكَانات، فالموقف الرسمي يبدو وكأنه يكتفي بدور "المتفرج الغاضب"، بينما يشكّل هذا الصمت غطاءً يتيح للعدو الصهيوني التمادي في إبادة شعب بأكمله، ويمنحه الثقة بأن السقف لن يتجاوز البيانات الدبلوماسية.

المفارقة المأساوية أن الاحتلال اختار الرد على مقرّرات الدوحة بالنار، عبر تصعيد غير مسبوق على مدينة غزة شمل قصف الأبراج والأحياء السكنية والبنى التحتية المدنية، في رسالة مزدوجة استخفاف بالقمة ومقرّراتها وتأكيدًا بأن العدوّ لا يخشى أية تبعات، لعلمه أن النظام الرسمي العربي والإسلامي لا يملك –أو لا يريد– تفعيل أدوات الردع. العدوان بهذا المعنى لم يكن مُجَـرّد تصعيد عسكري، بل رسالة سياسية مهينة للأنظمة التي اكتفت بالكلمات، مقابل الدماء التي سالت في شوارع غزة.

الأخطر أن العدوان تزامن مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى فلسطين المحتلّة، في مشهد بدا وكأنه إعلان تبنٍّ رسمي من إدارة ترامب لجرائم الحرب الإسرائيلية؛ إذ لم يعد الموقف الأمريكي تواطؤًا بالصمت أَو بالفيتو في مجلس الأمن فحسب، بل انتقل إلى مستوى الدعم العلني المباشر، ما يمنح العدوّ الشرعية الدولية لمواصلة حربه بلا أية مساءلة حقيقية.

يمكن قراءة المشهد في ضوء ثلاث حقائق أَسَاسية: استمرار الشرعية الشعبيّة مقابل العجز الرسمي، حَيثُ تظل الشعوب العربية والإسلامية ترى في المقاومة الفلسطينية المَصَدَّ الحقيقي أمام المشروع الصهيوني، بينما فشلت الأنظمة في ترجمة هذا الإجماع الشعبي إلى فعل سياسي مؤثر؛ غياب أدوات الردع العملية مثل وقف التطبيع، إغلاق الأجواء، المقاطعة الاقتصادية، أَو تحريك أوراق الضغط الدبلوماسي؛ مما جعل الاحتلال أكثر ثقة بقدرته على فرض معادلاته بالقوة؛ والغطاء الدولي الذي يؤكّـد أن المعركة ليست عسكرية فقط، بل سياسية وأخلاقية على مستوى النظام الدولي، حَيثُ تُكافأ "إسرائيل" على الجرائم بينما يُترك الفلسطينيون لمصيرهم.

قمة الدوحة لم تكن مُجَـرّد خيبة أمل، بل محطة جديدة في مسار العجز الرسمي الذي يواجهه الصمود الشعبي والمقاومة المسلحة في غزة. العدوان الأخير كشف أن الاحتلال لا يهاب بيانات الإدانة، وأن واشنطن لم تعد تخجل من التبني العلني للجرائم، وبينما تغيب القرارات الجادة عن طاولة القمم، يبقى الشعب الفلسطيني والمقاومة في الميدان هما المصد الأخير أمام خطر وجودي، وسط حاجة متزايدة لمواقف عملية تحفظ للأُمَّـة كرامتها وتثبت أن دماء غزة ليست مادة في نشرات الأخبار ولا مُجَـرّد بند في بيانات قمم تنتهي بانفضاض القاعات.