• العنوان:
    المولد النبوي.. استثمار اجتماعي واقتصادي في محور المقاومة
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    الحشود المليونية التي غصّت بها ميادين اليمن، تمثل ظاهرة معقدة تستحق التحليل من زوايا تتجاوز البعد الديني البحت، لتلامس الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في آنٍ واحد
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

لم تعد ذكرى المولد النبوي في اليمن مُجَـرّد مناسبة دينية تقتصر على الاحتفال وإحياء الشعائر، بل تحولت بفعل التوجيهات القيادية والوعي الشعبي إلى فعالية استراتيجية متعددة الأبعاد.

إن الحشود المليونية التي غصّت بها ميادين اليمن، من ميدان السبعين في العاصمة صنعاء إلى مختلف المحافظات، تمثل ظاهرة معقدة تستحق التحليل من زوايا تتجاوز البعد الديني البحت، لتلامس الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في آنٍ واحد.

 

تأسيس العقد الاجتماعي المقاوِم

من الناحية الاجتماعية، عززت هذه الحشود الشعور بالوحدة والتكافل بين أبناء الشعب اليمني في ظل ظروف صعبة، فالمشاركة الجماهيرية الواسعة كانت بمثابة إعلان عن تماسك الجبهة الداخلية وقدرتها على الصمود في وجه التحديات. لقد أسهمت هذه الفعالية في تجديد العقد الاجتماعي بين القيادة والشعب، حَيثُ لم يكن الحضور وليد توجيهات رسمية فحسب، بل نابعًا من قناعة شعبيّة عميقة، الأمر الذي يضفي شرعية شعبيّة قوية على مواقف القيادة السياسية. هذه الشرعية لا تُستمد من صناديق الاقتراع، بل من التلاحم الميداني الذي يجسد الإرادَة الشعبيّة الصامدة. إنها هندسة اجتماعية لإعادة تشكيل الوعي الجمعي وتوجيهه نحو مسار المقاومة.

 

اقتصاد الوجود.. رأس مال رمزي

أما اقتصاديًّا، فَــإنَّ هذه الحشود، التي قد يراها البعض مُجَـرّد إنفاق بلا عائد، هي في الحقيقة استثمار اجتماعي طويل الأمد. فمنظمة الحصار والعدوان تسعى إلى استنزاف اليمنيين ماديًّا ونفسيًّا، ولكنّ هذا الحشد الجماهيري يرسل رسالة معاكسة: أننا قادرون على الحشد، والتنظيم، والحراك رغم كُـلّ التحديات. إن هذا الحشد يمثل عاصمة رمزية لا تُقدّر بثمن، فالشعب اليمني يمتلك رأس مال بشري هائلًا، وهذه الفعالية تؤكّـد على قدرته على التعبئة والتجييش الذاتي، وهو ما يقلل من كلفة أي حراك مستقبلي. كما أن هذه التجمعات تُنتج اقتصادا موازيًا مبنيًّا على التكافل والتضحية، حَيثُ يتولى المجتمع نفسه مسؤولية التنظيم وتوفير الاحتياجات؛ مِمَّا يقلل من الاعتماد على مؤسّسات الدولة ويُظهر مرونة المجتمع في مواجهة الحصار.

 

الدبلوماسية الجماهيرية

أخيرًا، من الزاوية السياسية، تُعدّ هذه الحشود ورقة ضغط قوية في يد القيادة اليمنية. ففي الوقت الذي تتعرض فيه غزة لأبشع أنواع العدوان، جاءت هذه الحشود لتؤكّـد انخراط اليمن العضوي في محور المقاومة. إنها رسالة واضحة للعالم أجمع أن الشعب اليمني لم ينسَ قضيته المركزية، وأن موقفه ليس مُجَـرّد قرار سياسي من طرف القيادة، بل هو خيار شعبي مدعوم بقاعدة جماهيرية واسعة. هذا الدعم الشعبي يعطي القيادة اليمنية قوة تفاوضية استثنائية في أي حوار أَو تسوية مستقبلية، ويضعها في موقف متقدم يصعب على أي طرف آخر تجاهله؛ مِمَّا يجعل من المولد النبوي أدَاة للدبلوماسية الجماهيرية التي تتجاوز القنوات الرسمية. 

تغطيات