وها هي اليمن، بلدُ الإيمان والحكمة، قد أشرقت اليوم في حُلّة بهيّة، تحتفي بذكرى المولد النبوي الشريف للعام 1447هـ، مجسِّدةً أروعَ صور الإجلال والمحبة لسيد الخلق، في مشهد بهيج، وحضور مهيب، يليق بعظمة المناسبة وقداستها في وجدان اليمنيين.

تألّقت الشوارعُ وتزينت المدنُ الحُرة، فانطلق أبناؤها في مواكب نورانية وضّاءة، حوّلوها إلى أنهار متلألئة من الأضواء، زُيّنت بالأعلام الخضراء والمصابيح الزاهية، فانتشرت البهجة، وغمرت الأفراح أرجاء البلاد. وقد شكّلت المسيرات لوحات فنية بديعة، أضاءت الدروب، وزرعت في القلوب نشوة الروح، وأهازيج السرور، وأريج الذكرى العطرة.

ولم يقتصر هذا الاحتفاء على الحواضر الكبرى، بل عمّ كُـلّ بقاع اليمن الطيبة؛ إذ تجلّت مظاهر المحبة والولاء، من تزيين البيوت والمتاجر، إلى إقامة الفعاليات الثقافية والدينية، التي أعلت من القيم النبوية، وروح التربية الإيمانية والجهادية، وفضائل الأخلاق الشريفة. وتجلّت روح التكافل في مبادرات إنسانية مباركة، شملت مشاريع خيرية وأعمال إحسان، امتدت لتغمر الأسر المحتاجة في شتى المحافظات، تجسيدًا لقيم العون والبرّ، التي جاء بها الرسول الأعظم، ورسّخها الإسلام الحنيف.

ولم تكن هذه المظاهر مُجَـرّد طقوس عابرة، بل كانت إعلانا صادقًا عن حبٍّ متجذّر في أعماق القلوب، حبٍّ يُترجم بالعمل والتفاعل المجتمعي الكبير، حتى غدت المدن والقرى والأحياء والطرقات، مسرحًا لفرحٍ واحد، وصوتًا واحدًا، وروحًا واحدة. فهنا تزيين المنازل، وهناك إنارة الشوارع بالمصابيح والرايات الخضراء، وهنالك مبادرات التشجير وحملات النظافة، تتخللها أُمسيات إنشادية وثقافية تملأ الحارات الشعبيّة، وتصدح بها المؤسّسات الرسمية والمراكز الثقافية، في لوحة حضارية إيمانية نادرة المثال.

وفي خضم هذه الذكرى العطرة، تبادل اليمنيون التهاني بعبارات تفوح بالمحبة، وتزخر بالاعتزاز، كلمات لم تكن مُجَـرّد تهانٍ، بل رسائل قوة وأمل، تعكس توق هذا الشعب العظيم إلى مستقبل مشرق، مفعم بالخيرات والبركات، والتحرّر من قيود الاستعباد والوصاية، في ظل قيادة قرآنية حكيمة.

لقد كان الاحتفال بالمولد الشريف في اليمن يومًا مباركًا، لتجديد العهد مع رسول الله الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم؛ دلالةً على عمق الارتباط وصدق الولاء، وتأكيدًا على وحدة الصف وروح التكافل التي تجمع أبناء هذا الوطن العظيم. إنه الشعب الفريد في العالم، الذي لا نظير له في الكون، الشعب الذي يحتفل بمولده الشريف بفرحٍ متوارثٍ جيلًا بعد جيل.

اليمنيون هم أنصار الله ورسوله، وهم أحفاد الأنصار الذين نصروا النبي، صلوات الله عليه وآله، فجعلوا من المحبة والوفاء إرثًا خالدًا لا ينقطع. إنها اليمن، الأرض الطيبة التي أنجبت حضارات القوة والبأس والشورى والحكمة، فاستحقت شرف التقدير في صحف السماء، ووسام "أحسن القصص" في كتاب الله، وسطر التاريخ سيرتها في فرادة أُسطورية لا مثيل لها. فما أعظم شأنها، وما أسمى قدرها، وما أجل مكانتها بين الأمم.