• العنوان:
    اقتصاد يصنع النصر: توطين الصناعات اليمنية وحماية المنتج الوطني
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    يمر الاقتصاد اليمني بمرحلة حرجة نتيجة العدوان الممتد وتراجع البنية التحتية وضعف القدرة الإنتاجية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين من خلال ارتفاع معدلات البطالة وتفشي الفقر واعتماد شبه كامل على الواردات لتلبية الاحتياجات الأساسية. وفي مثل هذا الواقع يصبح التفكير في توطين الصناعات وحماية المنتجات المحلية وتهيئة بنية تشريعية اقتصادية حديثة ليس خيارًا ثانويًا، بل ضرورة وطنية ملحة تمثل حجر الأساس لبناء اقتصاد مستقل ومستدام.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

إن توطين الصناعات يمثل الركيزة الأولى لأي نهضة اقتصادية حقيقية، فهو السبيل لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل التبعية للخارج، كما أنه يوفر فرص عمل واسعة للشباب ويحرك الدورة الاقتصادية الداخلية ويمنح المجتمع ثقة أكبر بقدراته على الإنتاج. وتوطين الصناعات الصغيرة والمتوسطة يشكل البداية العملية التي يمكن أن تخلق قاعدة إنتاجية متينة تمهّد لقيام صناعات استراتيجية كبرى في المستقبل. ومن جهة أخرى فإن امتلاك القدرة على إنتاج السلع الأساسية محليًا يعد ضمانًا للأمن الاقتصادي والغذائي والدوائي، وهو ما يجعل التوطين خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه.

لكن نجاح عملية التوطين لا يمكن أن يتحقق دون حماية حقيقية للمنتج المحلي من المنافسة غير العادلة. فالسوق اليمنية تشهد منذ سنوات حالة من الإغراق السلعي عبر منتجات أجنبية رخيصة الثمن، وهو ما يجعل الصناعات الناشئة عاجزة عن الصمود. ولهذا فإن فرض رسوم جمركية وضريبية عادلة على السلع المستوردة، وتقديم دعم مالي وفني للمصانع المحلية، وتطوير أنظمة المواصفات والمقاييس بما يضمن جودة الإنتاج الوطني، كلها أدوات أساسية لتمكين المنتج المحلي من المنافسة وكسب ثقة المستهلك. ولا يقل عن ذلك أهمية نشر ثقافة مجتمعية تشجع على شراء المنتج الوطني وربط ذلك بالمسؤولية الاقتصادية والوطنية.

وإذا كان التوطين والحماية يمثلان الجانب العملي المباشر، فإن نجاحهما يظل مرهونًا بتهيئة بيئة تشريعية عصرية قادرة على احتضان هذه الرؤية. فاليمن بحاجة إلى قوانين استثمار حديثة تشجع رؤوس الأموال المحلية والأجنبية على الدخول في مشاريع صناعية، كما يحتاج إلى تشريعات واضحة لتنظيم الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وإلى قوانين تحفيزية تمنح الصناعات الوليدة إعفاءات ضريبية ورسومًا مخفضة على مدخلات الإنتاج. ولا بد أيضًا من إقرار منظومة قانونية لحماية الملكية الفكرية والعلامات التجارية، بما يعزز الابتكار ويمنع التقليد والغش ويشجع المنافسة الشريفة.

ورغم ما يواجه اليمن من تحديات كبيرة مثل ضعف البنية التحتية وصعوبة التمويل وغياب الاستقرار السياسي والأمني، إلا أن الفرص ما تزال متاحة بقوة. فالسوق المحلية واسعة وواعدة، والموارد الطبيعية متنوعة وغنية، والطاقة الشبابية تمثل أغلبية المجتمع وقادرة على أن تتحول إلى قوة إنتاجية هائلة، فضلًا عن وجود إرادة اجتماعية متنامية تدفع نحو دعم المنتج المحلي والتخفيف من التبعية الاقتصادية للخارج.

إن مشروع توطين الصناعات وحماية المنتجات المحلية وتهيئة البنية التشريعية الاقتصادية ليس مجرد إجراءات متفرقة، بل هو مسار وطني شامل يهدف إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي والكرامة الوطنية. وهو يتطلب إرادة سياسية صلبة ورؤية استراتيجية واضحة، كما يحتاج إلى مشاركة مجتمعية واسعة تضع مصلحة الوطن فوق المصالح الآنية. وبهذا فقط يمكن لليمن أن يخطو خطوات جادة نحو بناء اقتصاد قوي ومستدام يحقق الأمن والاستقرار والتنمية الشاملة، ويجعل من الاقتصاد الوطني سلاحًا حقيقيًا لصناعة النصر في مواجهة العدوان.