• العنوان:
    معركة السيادة الاقتصادية في زمن الحرب
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    في ظل حرب اقتصادية ممنهجة تُشن على اليمن، لا تقلّ شراسة عن الحرب العسكرية، تبرز مكافحة التهريب الجمركي كإحدى أكثر الجبهات حيوية وأهمية. إنها معركة صامتة تُخاض بلا سلاح، لكنها تحمل في طياتها كل معاني السيادة، والاستقلال، وصون الاقتصاد الوطني من الانهيار.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

محمد عبدالمؤمن الشامي

تدرك حكومة التغيير والبناء، وهي تخوض غمار الإصلاح الشامل، أن التهريب الجمركي ليس مجرد مخالفة قانونية أو محاولة ربح غير مشروع، بل أحد أخطر الأدوات التي تستهدف بنية الدولة، وتنهك اقتصادها، وتضرب مؤسساتها في العمق. ولهذا، جاء توجيه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بوضع هذه المعركة على رأس الأولويات الوطنية.

فالتهريب لا يحرم الدولة من إيراداتها فحسب، بل يُغرق الأسواق ببضائع رديئة، وممنوعة، ومجهولة المصدر، ما يهدد حياة المواطنين، ويُضعف الصناعات المحلية، ويقوّض العدالة التنافسية في السوق. الأخطر من ذلك، أن شبكات التهريب لم تعد مجرد مجموعات هامشية، بل تحوّلت إلى كيانات منظمة، تمتد أذرعها إلى بعض مفاصل الدولة، وتستغل الثغرات الإدارية والقانونية لتمرير نشاطها.

من هنا، تصبح المواجهة مع التهريب مواجهة شاملة، تتجاوز نقاط التفتيش والموانئ إلى عمق الجهاز الإداري للدولة. تبدأ من تجفيف منابع الفساد، وبناء منظومة رقابة فعالة، وترسيخ ثقافة الشفافية والنزاهة.

الأثر المالي للتهريب كارثي: كل عملية تهريب تعني حرمان خزينة الدولة من أموال طائلة كان يمكن أن تُوجّه لدفع المرتبات، أو تطوير الخدمات، أو تمويل المشاريع التنموية. كما أن التداعيات غير المباشرة – مثل ارتفاع معدلات البطالة، وهروب رؤوس الأموال، وانكماش الإنتاج المحلي – تترك ندوبًا طويلة الأمد يصعب علاجها.

ومن الناحية القانونية، فإن قانون الجمارك اليمني واضح في تجريم التهريب، ويمكّن الجهات المختصة من اتخاذ الإجراءات اللازمة، من الضبط إلى المحاسبة الصارمة. لكن قوة النصوص لا تترجم إلى نتائج إلا بإرادة سياسية صلبة، وتنسيق مؤسسي فاعل، وإجراءات عملية تقطع الطريق على المتلاعبين.

غير أن المسؤولية لا تقع على الدولة وحدها؛ فالمجتمع شريك أصيل في هذه المعركة. فوعي المواطن، ورفضه شراء البضائع المهربة، وإبلاغه عن التجاوزات، كلها خطوات في سبيل بناء اقتصاد نظيف وآمن. كما أن على القطاع الخاص الوطني واجبًا مضاعفًا بالالتزام باللوائح، وعدم الانجرار خلف أرباح مشبوهة تهدد استقرار البلاد.

وفي هذا السياق، تواصل مصلحة الجمارك جهودها المشهودة في تطوير أدوات الرقابة والتفتيش، وتكثيف عمليات الضبط، وتوسيع الشراكة مع الأجهزة الأمنية، بما يعيد للدولة هيبتها، ويرسل رسالة واضحة للعدو: أن أدوات الحرب الاقتصادية باتت مكشوفة، وأن اليمن أصبح أكثر وعيًا وصلابة في الدفاع عن سيادته.

ختامًا، فإن معركة مكافحة التهريب ليست مجرد ملف إداري أو إجراء روتيني؛ إنها معركة هوية، وكرامة، واستقلال. ومن ينتصر فيها، يضع لبنات بناء اقتصاد وطني قوي، تنموي، عادل، قائم على الشفافية وتكافؤ الفرص.


تغطيات