• العنوان:
    الوضع في غزة كارثي.. وصمت العالم جريمة
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

غزة اليوم ليست ساحة حرب فقط، بل صحراء من الدم والجوع والصمت العالمي. ما يحدث ليس مُجَـرّد تصعيد عسكري، بل عملية إبادة بطيئة تُنفذ على مرأى العالم، بمشاركة فاعلة من الاحتلال الإسرائيلي، وتواطؤٍ بالصمت من أطراف كان يُفترض بها أن تكون في صف المظلوم لا في صف القاتل. يموت الناس في غزة جوعًا، ويقصفون بلا رحمة، ويُمنعون حتى من الوصول إلى المساعدات التي تملأ شاحنات الانتظار على حدود مغلقة بإحكام.

وسط هذا الجحيم، يبرز معبر رفح كقضية سياسية وإنسانية ذات أبعاد تتجاوز الجغرافيا. لم يعد هذا المعبر مُجَـرّد ممر حدودي، بل أصبح في هذه اللحظة الحرجة شريان حياة لمليون ونصف إنسان محاصر، يعتمدون عليه في الوصول إلى الغذاء والدواء والخروج من دائرة الموت. إن بقاءه مغلقًا، أَو فتحه بشروط وإذلال، ليس أمرًا إداريًّا أَو تقنيًّا، بل موقف سياسي يعكس حجم الخضوع أَو الإرادَة لدى من يتحكم بمصيره.

صحيح أن الاحتلال يفرض نوعًا من الرقابة أَو السيطرة على الجانب الفلسطيني من المعبر، إلا أن هذا لا ينفي حقيقة جوهرية وهي أن معبر رفح معبر عربي – فلسطيني مصري – وأن قصفه أَو تعطيله أَو التذرع بعوامل فنية لإبقائه مغلقًا هو في جوهره مشاركة في جريمة العصر. لا أحد يستطيع أن يبرّر إغلاق بوابة الحياة عن غزة تحت أية ذريعة؛ لأَنَّ النتيجة أصبحت معروفة: موت يومي، ومجاعة، وانهيار شامل للبنية الصحية، ونزيف بشري لا يتوقف.

من المؤلم أن يتم التعامل مع هذه المأساة على أنها قضية تفاوضية أَو ميدانية، بينما الحقيقة أنها قضية أخلاقية من الطراز الأول. عندما يُمنع الطفل الجائع من الوصول إلى الحليب، وعندما تموت امرأة تحت الركام؛ لأَنَّها لم تجد مسعفًا، وعندما يُحتجز الدواء على المعبر بحجج سياسية، فنحن أمام جريمة مكتملة الأركان يجب أن يُحاسب عليها الجميع، وليس فقط من أطلق القذيفة أَو أدار الطائرة.

اللوم لا يقع فقط على الكيان الاحتلال الإسرائيلي، فهذا أمر مفروغ منه؛ لأَنَّه عدو الأُمَّــة الإسلامية والعربية، بل يقع أَيْـضًا على بعض الأنظمة العربية والإسلامية التي اختارت أن تقف على الحياد الكاذب، وأن تُمسك العصا من المنتصف وهي ترى غزة تحترق. الحياد في مثل هذه اللحظة هو خيانة، والتأخر في اتِّخاذ القرار هو مشاركة في القتل، والصمت ليس موقفًا بل تواطؤٌ.

مصر، بثقلها السياسي والعسكري، وبعمقها التاريخي، تملك القدرة الكاملة على فتح معبر رفح بشكل كامل وفوري، دون انتظار موافقات أَو تفاهمات مع العدوّ. التاريخ شهد لمصر مواقف مشرّفة عندما كانت الكرامة فوق كُـلّ اعتبار، واليوم يُنتظر منها أن تعيد صياغة هذه الصفحة النضالية لا أن تُطوى. ففتح المعبر ليس "مكرمة"، بل هو واجب قانوني وإنساني وأخلاقي تمليه كُـلّ المبادئ التي قامت عليها الدولة المصرية العريقة.

المشكلة أن بعض الأنظمة باتت تخشى من اتِّخاذ أي خطوة قد تُغضب الحليف الأمريكي أَو تُزعج التنسيق الأمني مع العدوّ، وتنسى أن هذه اللحظة لن تُقاس بحسابات المصالح بل بحسابات التاريخ والكرامة والدم. الشعوب لا تنسى، والذاكرة لا تموت. سيأتي يوم تُسأل فيه كُـلّ دولة، وكل زعيم، وكل مسؤول: ماذا فعلت عندما ماتت غزة جوعًا؟ ماذا فعلت حينما كانت الأكف الصغيرة ترتجف على أبواب مغلقة تنتظر شربة ماء أَو جرعة دواء؟

غزة لا تطلب شيئًا مستحيلًا، بل تطلب أن تُعامل كبشر، أن يُفتح لها المعبر؛ كي تتنفس. ليست تطلب دعمًا عسكريًّا، ولا مواقف عنترية، بل مُجَـرّد كسر هذا الحصار الذي صار رمزًا للخِذلان العربي والدولي. فتح معبر رفح هو أولى خطوات الكرامة، ومن لا يستطيع فتحه فلا يحق له الحديث عن العروبة أَو الإنسانية أَو السيادة.

ربما يحاول البعض تبرير التأخير بحجج تنظيمية أَو أمنية، ولكن الحقيقة أن كُـلّ لحظة تأخير تكلف أرواحا بريئة، وتزيد من فصول الكارثة. أطفال يُدفنون أحياءً، ومرضى يحتضرون دون دواء، ونساء تلد في العراء، وكل ذلك؛ بسَببِ قرار يمكن تغييره بجرة قلم. إنها لحظة فاصلة، بين من اختار أن يكون إنسانا، ومن تخلّى عن إنسانيته.

غزة اليوم تصرخ، لا فقط من الألم، بل من الخِذلان. تصرخ؛ لأَنَّ أقرب باب إليها مغلق؛ ولأن أقرب الناس إليها يختبئون خلف حسابات السياسة. العالم كله تحت الاختبار، لكن الامتحان الأصعب هو للدول العربية المجاورة التي تمتلك مفاتيح الإنقاذ ولكنها لا تفتح الأبواب.

لا جدوى من المؤتمرات ولا من البيانات. من لا يفتح المعبر اليوم، سيُدان غدًا، لا أمام المحاكم، بل أمام ضميره، وأمام الأجيال القادمة التي ستقرأ هذه المرحلة كسقطة أخلاقية كبرى. المعبر لا يحتاج إلى لجنة، بل إلى ضمير حي.


تغطيات