• العنوان:
    حين تفقد الإنسانية معناها: غزة تُذبح.. فأين الضمير العالمي؟
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:


في عالمٍ تتغنّى فيه القوى الكبرى بشعارات "حقوق الإنسان"، ويملأ الحديث عن "الحرية"، و"العدالة"، و"السلام" أروقة المنظمات الدولية، نجد أنفسنا أمام واقع أشدّ ظلمةً من أي زمن مضى، واقع تنزف فيه غزة صباحًا ومساءً، ويُسفك فيه الدم الفلسطيني بلا توقف، في صمتٍ دوليٍّ يكاد يلامس حَــدّ التواطؤ الكامل.

قطاع غزة، هذا الشريط الصغير المحاصر منذ أكثر من عشرين عامًا، تحوّل إلى محرقة بشرية بفعل آلة القتل الصهيونية المدعومة سياسيًّا وعسكريًّا من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، بينما يقف العالم العربي والإسلامي في مشهد مخزٍ من التجاهل، أَو العجز، أَو حتى الخيانة. يُقصف الحجر والشجر والبشر، تُستهدف المستشفيات والمدارس، وتُباد العائلات بأكملها في مجازر جماعية مروعة.

وأمام هذه المشاهد، لا يمكن لعاقل أَو إنسان يحمل في قلبه ذرة من الرحمة أن يبقى على الحياد.

إذا وصل الإنسان إلى درجة ألَّا تحَرّك مشاعره تلك الجرائم الرهيبة التي يرتكبها العدوّ الإسرائيلي في قطاع غزة، تلك المآسي والمشاهد الدامية للأطفال والنساء، والكبار والصغار، فقد قيمته الإنسانية.

نعم، فقدها تمامًا؛ لأَنَّه حين لا تدمع العين على طفلٍ جائعٍ تحت الحصار، أَو أم تصرخ أمام جثث أبنائها، أَو طبيبٍ يحاول إنقاذ جريحٍ بنصف أدوات، أَو ممرّضٍ يكتب أسماء الشهداء على أكفّهم، فَــإنَّ الإنسانية حينها تكون قد ماتت، ليس في غزة، بل في ضمائر أُولئك الذين يتجاهلونها.

المذبحة المفتوحة التي يتعرض لها الفلسطينيون ليست مُجَـرّد أرقام تُدوَّن في نشرات الأخبار، بل هي نكبة متجدّدة، وجرح مفتوح منذ أكثر من سبعين عامًا. الاحتلال الصهيوني يزداد توحشًا كلما طالت مدة الصمت الدولي ودعمه الأمريكي.

لقد فقدت القوانين الدولية معناها الحقيقي، حين أصبحت أدَاة بيد القوى المستكبرة لحماية مصالحها لا لحماية الشعوب المستضعفة. باتت العدالة الدولية انتقائية، والحرية مفهومًا مرهونًا بلون الدم وهوية الضحية. فعندما يُقتل مدني أَو جندي في أُورُوبا، تنهض الدنيا ولا تقعد، أما حين يُباد حيٌّ سكنيٌّ كامل في غزة، فلا صوت يُسمع إلا صدى الصمت العميق.

ما نشهده في غزة ليس مُجَـرّد عدوانٍ عسكري، بل هو حملة إبادة متكاملة، مدروسة وممنهجة.

هو تدمير للحياة، وللطفولة، وللأمل. هو اغتيال للكرامة والقيم، ومحاولة خبيثة لإجبار شعبٍ بأكمله على الاستسلام أَو الزوال.

والأشد مرارةً من ذلك، هو صمت الأنظمة العربية وتخاذلها المخزي، بل وانخراط بعضها في موجة التطبيع المهينة التي شكّلت طعنةً في ظهر القضية الفلسطينية، وتنازلًا مجانيًّا عن الثوابت، بل تواطؤًا صريحًا مع القاتل ضد الضحية.

لكن غزة لا تموت.

غزة تنهض من تحت الركام.

غزة تصرخ لتوقظ ضمائر النائمين.

غزة تقول لنا: "أنا لست وحدي.. أنتم الذين تركتموني وحدي. "

أيها العرب، يا مسلمي العالم، يا أحرار الكوكب، إن ما يحدث في غزة اليوم سيُسجل في كتب التاريخ، لا فقط كجريمة ضد شعبٍ أعزل، بل كوصمة عارٍ على جبين كُـلّ من سكت، وتخاذل، وبرّر، ووقف على الحياد.

الصمت على الظلم ظلم، والحياد في مواجهة القاتل خيانة، والسكوت على المجازر مشاركةٌ غير مباشرةٍ في ارتكابها.

غزة اليوم ليست مُجَـرّد "قضية"، بل هي ميزان العدالة، واختبار حقيقي لكل إنسان:

هل ما زالت قلوبكم تنبض؟

هل ما زال فيكم ذرة من ضمير؟

هل ما زالت للإنسانية قيمة في عالم تسيطر عليه المصالح والمال والنفاق السياسي؟

إن الوقوف إلى جانب غزة ليس خيارًا سياسيًّا، بل واجب ديني، وأخلاقي، وإنساني، على كُـلّ من يؤمن بالعدالة والحرية وحق الشعوب في الحياة.

فالدم الفلسطيني ليس أرخص من أي دم، والطفل الفلسطيني لا يقل عن أي طفل آخر، والمرأة الفلسطينية لا تختلف عن أي امرأة في العالم.

نوجّه نداءنا، لا فقط إلى الحكومات، بل إلى الشعوب:

تحَرّكوا؛ مِن أجلِ غزة،

بصوتكم، بكلماتكم، بتبرعاتكم، بمقاطعتكم للمطبعين، برفع الظلم عن المظلوم، وبنشر الحقيقة.

لأن صمتنا اليوم قد يتحول إلى لعنةٍ غدًا.

غزة لن تنسى، والتاريخ لن يغفر، والله لا يغفل.

تغطيات