-
العنوان:حين أُقصيت مكة عن شرف الرسالة.. وحين يُستبدل المتخاذلون ويصنع الله أُمَّـة
-
المدة:00:00:00
-
الوصف:
-
التصنيفات:مقالات
-
كلمات مفتاحية:
بشير ربيع الصانع
في الذكرى العظيمة للهجرة النبوية، نستحضر
ليس فقط رحلة انتقال النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-
من مكة إلى المدينة، بل نُمعن النظر في التحوّلات الكبرى التي حدثت، ونتأمل الأسباب
التي جعلت الله يُقصي مكة – وهي أحب البقاع إلى نبيه – عن شرف احتضان الرسالة، ويختار
بدلًا عنها مجتمعًا آخر أكثر استعدادًا وأصدق نية.
لقد خسر أهل مكة فرصة لا تُقدّر بثمن،
خسارةً لا تُقاس ببقعة أَو زمان، بل بخروجهم من دائرة التوفيق، وتخلّيهم عن
المسؤولية التي لو استحقوها، لحملوا راية النور إلى العالم بأسره.
لكن… لماذا خسروا؟
أول الأسباب، أنهم ارتهنوا للملأ
المستكبر، فأصبح صوت الكبراء والوجهاء هو الحاكم على عقول الناس. خافوا على
مصالحهم من دينٍ يحرّر العقول، ويقوّم الموازين، وينهي الاستعباد، ويعيد الكلمة
إلى المستضعفين. رأوا في الإسلام تهديدًا لنفوذهم، فحرّفوا الناس عن الحق، ولبّسوا
عليهم سبيل الله، وكان في اتباعهم الهلاك الجماعي لأمة كان يمكن أن تكون سيدة الأمم.
أما السبب الثاني، فهو اختلال
المعيار عند عامة المجتمع…
كانوا يظنون أن الزعامة والنبوة لا
تليق إلا بصاحب جاه أَو ثروة، ولذلك قالوا في استغراب واستنكار:
{أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن
بَيْنِنَا}
وقالوا:
{لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القرآن عَلَى
رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}
وكأن عظمة الرسالة تُقاس بميزان
الذهب والدينار، لا بالصدق والطهر والتجرد والإيمان.
فكانوا يرون أن النبي لا بد أن يكون
ثريًّا، نافذًا، صاحب قصرٍ ومكانة، لا رجلًا صادقًا أمينا جاءهم من بين أظهرهم
يعرفون نسبه وخلقه، لكنهم عجزوا عن رؤية النور في وجهه؛ لأَنَّ أعينهم كانت مشدودة
إلى سطوة الجاه والمال.
وهكذا سقطت مكة… ليس لقلة العلم، ولا
لبعد المكان، بل لسقوط المعايير، وارتهان القرار للهوى، وعبادة النفوذ.
وفي المقابل، اختار الله قلوبًا
طاهرة، في مدينة بعيدة، لا تشتهر بالجاه، لكنها امتلأت بالإخلاص… فأكرمهم الله
بشرف الأنصارية، وجعلهم أوتاد الدولة، وأصحاب اللواء.
وهنا، في هذا الموقف، عبرة لكل
الشعوب، ولكل من يسأل الله التوفيق والنصرة:
الرسالة لا تُعطى لمُجَـرّد الانتماء،
ولا تُمنح لمن يرى نفسه أهلًا لها دون امتحان… بل تُعطى لمن يستحقها، لمن يطهّر
قلبه من حب الظهور، ومن الخوف على مصالحه، ويُحكّم في حياته معايير الحق لا حسابات
السوق.
فالهجرة لم تكن مُجَـرّد انتقال في
المكان، بل كانت لحظة فاصلة كشف الله بها عن سننه الخالدة، وأراد أن يعلّم البشرية
درسًا عميقًا في استحقاق النصر والاستخلاف.
ففي مكة، حَيثُ مهبط الوحي وأرض
النسب الشريف، لم يحظَ المجتمع بشرف احتضان الرسالة، رغم القرب، واللسان الواحد، بل
أُقصي عنها… لماذا؟
لأن القلوب كانت مُقفلة، والنفوس
مربوطة بالملأ المستكبر، والعقول مأسورة بالمصالح والماديات.
لقد تعامل القرشيون مع الرسالة
الإلهية بالجحود والإعراض، لا؛ لأَنَّهم جهلوا صدقها، بل؛ لأَنَّهم رأوا فيها
خطرًا على نفوذهم، وعلى سوقهم، وعلى تراتبية سلطتهم.
فأعرضوا، وكذّبوا، وتواطؤوا على
الأذى، حتى أدار الله عنهم وجه نصره، وبدّلهم بمن هم أطهر قلبًا، وأصدق نيةً، وأكثر
استعدادا لتحمل المسؤولية.
قال تعالى:
{فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلَاءِ
فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}
وقال محذّرًا كُـلّ من يسير على ذات
الطريق:
{وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ
قَوْمًا غَيْرَكُمْ}
إنها سنّة الله الثابتة:
من يتخاذل عن حمل الرسالة، يُستبدل
ومن يتنكّر لنداء الله، يُقصى، ومن يربط قلبه بالمستكبرين، يفقد توفيق الله.
وفي المقابل، فتحت المدينة أبوابها، واحتضنت
الرسالة بقلوب عامرة بالإيمان، فكانت الهجرة بدايةَ التحول الأعظم في التاريخ الإسلامي،
حَيثُ بدأت مرحلة التمكين، وانطلقت الدعوة لتتجاوز حدود القبيلة والمكان، وتُبني
دولة، وتُرسم معالم أُمَّـة.
وبفضل القيادة الحكيمة لرسول الله -صَلَّى
اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- وتلاحم المهاجرين والأنصار، تأسست
نواةٌ ربانية صادقة، استطاعت أن تصنع حضارةً وسط العواصف، وأن تواجه التحديات
والأخطار من كُـلّ جانب.
قال تعالى:
{هُوَ الَّذِي أرسل رَسُولَهُ
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ}
وها نحن اليوم…
نرى التاريخ يعيد نفسه، ونرى
الأُمَّــة تعيش تكرارًا مؤلمًا لتخاذل قريش، ولكن بأسماء جديدة:
خذلوا رسول الله بالأمس، ويخذلون
قضية أمته اليوم.
تآمروا عليه هناك، ويتآمرون على غزة
اليوم.
أعرضت قريش في مكة، وأعرض آل سعود في
الرياض.
أحاط المنافقون بنبي الله، وأحاط
المنافقون أنفسهم بأعداء الأُمَّــة، وباعوا الأرض والعرض والقدس بثمن بخس.
فجاء نداء الله العظيم: {إِلَّا
تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}
إنها رسالة لكل زمن، ولكل جيل، أن
الحق لا ينتظر المتخاذلين،
وأن الله لا يُعجزه خذلان الناس، فهو
ينصر رسوله، ولو تخلّت عنه القبائل، ويُعلي دينه، ولو كرهت العروش والنفط
والفضائيات.
اليوم، كما بالأمس، تتجلى معاني
الهجرة:
في كُـلّ موقف حق تتخلى عنه أُمَّـة،
ويحتضنه آخرون.
في كُـلّ تضحيات غزة، تظهر أنصارية
العصر من جديد.
وفي كُـلّ تآمر عربي، تتأكّـد سنّة
الاستبدال.
فهل نكون ممن ينصر… أم ممن يُستبدل؟
فيا أهل اليمن، ويا أبناء
الأُمَّــة،
الهجرة النبوية ليست رحلةً عبر
الصحراء، بل ميزان عدل يُفرق بين من يستحق حمل الرسالة ومن يُقصى عنها.
فلنحذر أن نُقصى كما أُقصيت قريش،
ولنحرص أن نبقى كما كان الأنصار:
يُؤثِرون على أنفسهم… ويثبتون عند
الشدائد… ويرحبون بالحق وإن خالف مصالحهم.

تغطية إخبارية | عن آخر تطورات حرب الإبادة الجماعية في قطاع #غزة وآخر التطورات في لبنان | مع ثابت العمور و قدورة فارس و حسين مرتضى 17-01-1447هـ 12-07-2025م

تغطية إخبارية | حول اخر التطورات في غزة ولبنان وسوريا و عن عملية الإسناد اليمني | 17-01-1447هـ 12-07-2025م

تغطية إخبارية | حول اخر التطورات في غزة ولبنان وسوريا و عن عملية الإسناد اليمني | 17-01-1447هـ 12-07-2025م

تغطية إخبارية | حول الخروج المليوني في ميدان السبعين وبقية المحافظات وآخر التطورات في غزة | مع عمر معربوني و علي حيدر و نزار نزال و علي أبي رعد و صالح أبو عزة و مصطفى رستم 16-01-1447هـ 11-07-2025م