• العنوان:
    سقوط الأهداف الـ 3.. نهاية حرب لم تكن كما أرادتها (إسرائيل)
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:
    كيان العدو الصهيوني


إذا كان العدوانُ الإسرائيلي الأمريكي وَضَعُ أوزارَه عند هذا الحد، فَــإنَّنا نقفُ أمام مشهدٍ غير مسبوق في تاريخ الصراع، مشهدٌ يتكشّف فيه زيف الدعاية الصهيونية، ويتهاوى فيه جدار الوهم الذي طالما احتمت خلفه "إسرائيل". فما جرى لا يمكن تفسيرُه باتّفاق سياسي عابر، بل هو إعلانٌ صامتٌ عن فشلٍ مدوٍّ لعدوانٍ شنَّتهُ "إسرائيل" بكل ما أوتيت من قوة، وانتهى بخيبة لا تخفى ملامحها على بصير.

لقد دخلت "إسرائيل" هذه المواجهة وهي ترفع ثلاثةَ أهداف واضحة، خطّتها لنفسها بجرأة: أن تُحيِّدَ البرنامج النووي الإيراني، وأن تُدمّـر القدرات الباليستية، وأن تُزعزع أركان النظام الإيراني تمهيدًا لإسقاطه. ولكنها خرجت من الميدان بخُفَّي حنين، لم تحقّق هدفًا واحدًا من تلك الأهداف، بل لعلها عجّلت بما كانت تخشاه.

فلم تُحيِّد البرنامج نووي؛ لأَنَّ إيران كانت قد أخلت المواقع قبل الاستهداف، ولم تُشل صواريخ، ولم تترنّح مؤسّسات الجمهورية الإسلامية، بل إن العكس هو الذي حدث. إيران خرجت من هذه المعركة لا مثقلة بالجراح، بل متقدمة بخطى أوسع في الميدان السياسي والمعنوي والعسكري. ثبتت أركانها، واشتد تماسكها الداخلي، وارتفعت شعبيتها في محيطها الإقليمي، وانكشفت قدرتها على خوض مواجهة شاملة، وعلى استعمال ما كان البعض يعده تهديدًا نظريًّا كأدَاة عملية في أرض المعركة.

هذا التحول من الشعارات إلى الأفعال، من التصريحات إلى الضربات، غيّر وجه المعادلة بالكامل. فالعالم الذي كان يسمع عن العداء الإيراني لـ"إسرائيل" بوصفه خطابًا سياسيًّا مألوفًا، أصبح يشهد بأمّ عينه كيف تحوّلت طهران إلى ثاني عاصمة في الشرق الأوسط بعد صنعاء تطلق صواريخ باليستية عابرة للحدود نحو العمق الإسرائيلي، لتثبت بذلك أن مرحلة الكلام انتهت، وأن زمن الفعل بدأ، وأن نظرية الردع الصهيونية لم تعد تحكم قواعد الاشتباك.

وما زاد المعادلة وضوحًا هو فشل الرهانات الإسرائيلية والأمريكية معًا في كسر الدعم الإيراني لمحور المقاومة. جربت أمريكا الضغط بالعقوبات والتجويع والعزل، وجربت "إسرائيل" الحسم بالقوة، لكن لا الأولى نجحت في تحجيم المقاومة، ولا الثانية استطاعت تفكيك الروابط. بل بقي النظام الإيراني كما هو، داعمًا للحركات المقاومة التي تقاتل "إسرائيل" على أكثر من جبهة، وبات هذا الدعم أكثر رسوخًا، بعدما ثبت أن لا سلاح العدوّ يردعه، ولا التهديدات تنال منه.

وهنا تتكشف الحقيقة كاملة: ما تم التوصّل إليه ليس اتّفاقا متوازنًا بين طرفين متكافئين في الأرباح والخسائر، بل هو نتيجة ميدانية فرضتها معادلة الفشل الصهيوني، والانتصار المعنوي والسياسي الإيراني. لم يكن هذا ما سعت إليه "إسرائيل"، ولم يكن هذا سقفها ولا مبتغاها، بل فرض عليها كأمر واقع، لا تملك إلا أن تتجرّعه، بعد أن خسرت من هيبتها أكثر مما كسبت على الأرض.

إننا إزاء لحظة فاصلة، لا يُقاس وزنها بعدد الضربات، بل بما أحدثته من تحول في الوعي واليقين والسياسة. لحظة ستعيد رسم خرائط المنطقة، وتُرغم العدوّ على إعادة النظر في غروره وأوهامه. إنها ليست نهاية الحرب، ولكنها بداية سقوط التفوّق الصهيوني تحت ضربات الحقيقة.

واللهُ غالبٌ على أمرهِ ولكن أكثر الناسِ لا يعلمون.