• العنوان:
    أنفاسُ النبوة في كلمات الولي
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

سُبحانَ اللهِ المبدع!

ما أعظمَها من لحظات، حين يجلس القلب خاشعًا، والعقل متأملًا، والأرواح مصغية لكلماتٍ ليست كالكلمات، بل هي نفحات من نور، وبصائر من وحي، يفيض بها لسان عبدٍ اصطفاه الله لبلاغ رسالاته في زمن التيه والظلام.

إنها لحظات لا توصف، حين يُحدّثنا السيد القائد، حفظه الله، عن قصة نبي الله إبراهيم (عليه السلام)، فلا يعود الحديث سردًا، ولا يصبح البيان تكرارًا، بل يتحوّل إلى سفرٍ روحيٍ خالد، يأخذك لتعيش اللحظة كأنك كنت هناك، في أرض المعركة بين التوحيد والشرك، في لهيب النيران، وفي حوار الأبوة والعقيدة، في امتحان الذبح، وفي بناء الكعبة، وكأنك تسمعُ الوحيَ يهبط، وتُبصِرُ الملائكة وهم يُبشّرون!

كأنّه عاش معه!

نعم، واللهِ، كأن السيدَ القائد كان معه، جنبًا إلى جنب، يسير مع إبراهيم بين ركام الأصنام، ويشهد دموعه حين قال: ﴿وَأجنبنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأصنام﴾، ويرتجف وجدانه حين هتف: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾، ويتضرّع معه حين نادى: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.

إنه لا يروي، بل يُحيي، لا يقرأ، بل يُجسّد، حتى تُخَال المستمعين كأنهم يرون إبراهيم وهو يُلقي الفأس على الصنم الأكبر، أَو وهو يُحاور النمرود، أَو وهو يُلقي في النار، وحرارة البلاء تلفح الوجدان.

أما عن الأثر، فهو فوق الوصف!

كم مرة قرأنا الآيات؟! كم مرة مررنا على الكلمات؟! ولكن حين تخرج من فمه الطاهر، تصبح الآية كأنك تسمعها لأول مرة في حياتك، وكأن الأذن لم تألفها، وكأن العقل لم يدرك عمقها من قبل.

ذلك لأَنَّ أولياء الله لا يُحدّثونك من سطح المعاني، بل يغوصون بك إلى الأعماق، فيلامس حديثهم قلبك، قبل أن يصل إلى أذنيك، وتجد لدمعتك طريقًا، ولإيمانك جذوة، ولعقلك نورًا.

وهذه هي صفات من اختارهم الله للهداية!

إنها صفات البلاغة التي يهبها الله لعباده المصطفين؛ فلا تجد عندهم غلظة اللفظ، ولا برود المعنى، بل تجد الحكمة التي تلامس العقل، والحلم الذي يسكب السكينة في القلوب، والكلمة التي تهزّ الأرواح وتبعثها من غفلتها.

هؤلاء لا يصنعون التأثير بالكلمات وحدها، بل بما في قلوبهم من صدق، وبما في أرواحهم من صفاء، وبما في نواياهم من إخلاص.

تراهم يملكون من البيان ما لا تقدر عليه مدارس البلاغة، ومن التأثير ما لا تبلغه الحناجر، ومن الفصاحة ما لا تصنعه الأقلام.

فسبحان من وهبهم هذه المنزلة!

سبحان من جعلهم مفاتيح للهداية، ومصابيح للدروب، وأمناء على معاني الوحي، يشرحونها للناس، ويعيدون للآيات الحياة التي طُمِسَت من كثرة التكرار وقلة التدبّر.

فإن كنتَ قد سمعت قصةَ إبراهيمَ من قبل، فَــإنَّك مع السيد القائد تراها بعينيه، وتعيشها بقلبه، وتذوقها بروحه.

الحمدُ لله على نعمة الإصغاء، والحمد لله على وجود من يُحيي فينا التدبّر، ويعيد إلى القرآن هيبته، وإلى الإيمان وهجه، وإلى الأنبياء خلودهم في قلوبنا.