• العنوان:
    اليوم التالي في الشرق الأوسط: نهاية الاستفراد الأمريكي
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    رافق مصطلح "اليوم التالي في قطاع غزّة" مكونات الخطاب الإسرائيلي في مرحلة ما بعد طوفان الأقصى والمقصود فيه انهاء حكم حماس ونظامها السياسي وإعادة بناء وضع جديد يكون للكيان الصهيوني دور فيه.
  • التصنيفات:
    مقالات

الحقيقة أن هذه المفردة استخدمت لصرف الأنظار عن اليوم التالي في الكيان الإسرائيلي حيث ينتظره عواصف داخلية لن تستثني من تداعياتها أيًا من المستويات السياسية والعسكرية والأمنية. سيبقى هذا الملف مفتوحًا للنقاش الصهيوني "الناري" ربطًا بنتائج التحقيقات في عملية المقاومة الاسلامية حماس في ٧ أكتوبر وبنتائج العدوان الوحشي الذي أعقبها ضدّ قطاع غزّة، وأيضًا بما ستؤول إليه نتائج المواجهة مع حزب الله في الجبهة الشمالية. بالنسبة لواشنطن الشريكة والمعنية

وبكلّ تلك الاستحقاقات فإن الأسئلة الأهم تتعلق باليوم التالي في الشرق الأوسط كله والمرتبط بوضعية القوّة الأميركية العظمى ونفوذها الكبير في هذه المنطقة الحساسة. يرتبط النقاش الأمريكي بمجموعة من المؤشرات التي تقرأها المؤسسات الأميركية المعنية بتحليل النتائج النهائية للمواجهة المفتوحة حتّى الآن على عدة جبهات. ويمكن تحديد موضوعات القلق الأميركي وفق المؤشرات التالية:

وفي عملية "طوفان الأقصى" لامست "إسرائيل" الخطر الوجودي فعليًا بعدما استفاضت سابقًا في رسمه على الورق في تقارير المؤسسات الإسرائيلية المعنية بتشخيص المخاطر التي تتهدّد الكيان العبرية. استدعى الأمر تدخلًا أمريكيًا على كافة المستويات لمنع "إسرائيل" من الانهيار. طوقت واشنطن "تل ابيب" بمجموعة من أحزمة الحماية المستعجلة وأطلقت يدها لكي تتوحش كيفما تريد، علّ ذلك يؤدي من وجهة نظرهم إلى ترميم صورة الردع الصهيونية.

لكن بالنسبة لواشنطن فإن قراءتها الواقعية تتعلق بقدرة "إسرائيل" بوصفها قاعدة أميركية متقدمة على تنفيذ الأجندة الأميركية في المنطقة. بالتأكيد منذ هزيمة العام الفين في لبنان واندحار الاحتلال تحت ضربات حزب الله بدأت الشكوك حول إمكانية استمرار كيان العدوّ بالقيام بالمهام المطلوبة منه. درجة الحماية التي احتاجتها "إسرائيل" من الولايات المتحدة يوم ٧ أكتوبر وما تلاه أثارت مزيدًا من الشكوك حول قدرة "تل ابيب" بالاستمرار في تحقيق المصالح الأميركية.

الفرضية محل البحث تتعلق بالعمر المتبقي لهذه القاعدة الأميركية وصلاحيتها. هذا أول سؤال يقلق مراكز القرار في واشنطن من أجل رسم ملامح اليوم التالي في الشرق الأوسط.

المؤشر الثاني يتعلق بفعالية الانتشار العسكري الأميركي في المنطقة والتي تعد ثاني مرتكزات القوّة التي تتكىء عليها واشنطن في فرض نفوذها وهيمنتها وتحكمها بالعديد من الأنظمة الشرق أوسطية. يتوزع هذا الانتشار على ثلاثية القواعد وحاملات الطائرات والصواريخ بعيدة المدى.

المواجهة البحرية اليمنية - الأميركية وضعت هذا الانتشار أمام اختبار قوة جديد يرجح أنه سينتهي إلى نتائج كارثية. فقد تمنعت عدة دول عن الموافقة على استخدام واشنطن لهذه القواعد في ضرب اليمنيين خوفًا من ردة فعلهم ضدّ الدول التي تتمركز فيها هذه القواعد. النكسة الثانية تمثلت بانكشاف القوّة البحرية الأميركية ومعها البريطانية - وبضعة دول أخرى -

وأمام الأسلحة اليمنية. تبين أن تقليص فعالية هذه البوارج والمدمرات المتطورة ليس بالأمر الصعب. عندما تسقط هيبة هذا السلاح أمام دولة لم تخرج من الحرب بعد ولديها مخزون محدود من الصواريخ والمسيّرات والزوارق والغواصات المسيّرة - التي دخلت الخدمة حديثًا - بما لا يقارن بمحتويات تلك الحاملات والمدمرات، وعليه فإن ذلك يطرح علامات استفهام قوية حول مستقبل النفوذ الأمريكي، بعدما فشلت في تحقيق أهدافها بتوفير الحماية للسفن الإسرائيلية وتلك المتجهة إلى موانىء العدو.

وباتت واشنطن أيضًا عاجزة عن حماية سفنها البحرية المدنية والعسكرية. باختصار بعد هذه المواجهة غير المتكافئة مع اليمن، كيف ستعيد الولايات المتحدة ترميم سمعتها وسطوتها ومن ستخيف الآن؟

المؤشر الثالث تمنُّع عدد كبير من دول المنطقة والعالم عن الانضمام إلى "تحالف الازدهار" أظهر عجز واشنطن في فرض قرارتها على الدول التي عادة لا ترد طلبًا لها، ولتلك العواصم مبرراتها التي لا يمكن للأميركيين تجاوزها.

لكن الأخطر من ذلك هو أن تلك الدول التي تدين باستقرارها إلى الحماية الأمريكية لن تبقى قادرة على الرهان على تلك الحماية بعد فشل واشنطن في توفير الحماية ليس فقط لـ"إسرائيل" بل حتّى لقواعدها العسكرية التي تعرضت للقصف في العراق وسورية ولأسطولها البحري الذي بات عمليًا في حالة دفاعية ومكشوفًا أمام الضربات اليمنية،

بناء على ما سبق فإن واشنطن ستجد صعوبة بعد هذه المواجهة في بيع سلعة "الحماية" لتلك الأنظمة الهشة. باختصار فقدت القوّة العسكرية الأمريكية نسبة معتبرة من قدرتها على الاستثمار في هذا المجال الذي يعتبر منذ عقود أحد مرتكزات الهيمنة الأميركية الخارجية.

المؤشر الرابع  شكّل خروج محور المقاومة إلى الحيز العملي التنسيقي في المنطقة دعمًا لغزّة إسقاطًا مباشرًا لكل التهديدات الأميركية المباشرة وغير المباشرة التي توعدت من يساند المقاومة الفلسطينية.

ولم يكترث حزب الله ولا المقاومة الإسلامية في العراق ولا الدولة اليمنية لكل الترهيب الأميركي وتم تنفيذ الإسناد بالطرق التي تم تحديدها. هذا الخروج العملي للمحور ستكون له نتائج عملية لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهلها بعد أن وجدت نفسها عاجزة عن ليّ ذراع قوى نظامية وغير نظامية رغم عدم تكافؤ القوى والفرص.

الأمور مرجحة لمزيد من توجيه الاهانات المعتبرة للقوة الأمريكية العظمى وبالتالي لن يعود الأمن الإقليمي احتكارًا لها ولمن يوازيها في التصنيف العالمي. أطراف هذه المنطقة باتوا شركاء حكميين في أمن المنطقة ولا يمكن تجاهلهم أو فرض شروط عليهم. حتّى لعنة التصنيف الإرهابي سترتد على واشنطن. هي صنفت أنصار الله منظمة إرهابية وردت السلطات اليمنية في صنعاء بالمعاملة بالمثل. غدًا عندما تنتهي الحرب على غزّة

وإذا لم تتراجع واشنطن عن هذا التصنيف ما الذي يحول بين صنعاء وبين منعها مرور أي سفن أمريكية وبريطانية في البحرين الأحمر والعربي قبالة السواحل اليمنية ما لم تتراجع عن هذا التصنيف؟ التجربة الحالية تقول لا شيء يمنع اليمنيين من القيام بذلك.

هذه بعض ملامح اليوم التالي في الشرق الأوسط الجديد الذي تحاول الولايات المتحدة ان تتقصى ملامحه وهي تلاحظ تراجع قدرتها وهيبتها وسمعتها، وتقترب من الاذعان لحقيقة نهاية تفرّدها بالشرق الأوسط. الوقت المتبقي للإقرار بهذه الحقيقة لا يعد شيئًا مهمًا في تاريخ التحولات النوعية للشعوب والدول. نهاية الشياطين وانتصار المظلومين سنّة الهية لا مفر منها.

 

تغطيات