-
العنوان:حلقة خاصة - رئيس الوفد الوطني والناطق باسم أنصار الله محمد عبدالسلام 15-10-2021
-
المدة:00:00:00
-
الوصف:نص اللقاء:
-
التصنيفات:حلقات خاصة
-
كلمات مفتاحية:اليمن المولد النبوي الشريف محمد عبدالسلام
* ما الذي يمثله مولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولماذا يستمر هذا الجدل حول طبيعة الاحتفال به ومشروعيته؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلَّ على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
في البداية نبارك لأمتنا العربية والإسلامية، ولشعبنا اليمني العزيز حلول هذه المناسبة العزيزة والهامة على قلب كل مسلم.
نحن نعتبر أن هذه المناسبة هي مناسبة هامة لا شك؛ لأنها ارتبطت بمصير مهم لهذه الأمة وللبشرية، ليس فقط على مستوى الحياة الدنيا، وإنما على مستوى الآخرة.
وكذلك ارتبط بأنه اُعتبر مبعث هذا النبي هي ولادة جديدة لهذه الأمة التي كانت تعاني الويلات، والتي كانت تعيش في جاهلية ظلماء، ولهذا وصف الله النبي محمد بأنه منَّة وفضل، (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
هذا هو اعتبار أن هذا النبي العظيم، الذي وُلد في شهر ربيع الأنوار، هو يمثل مرحلة جديدة لهذه الأمة، ونحن نستذكر هذه النعمة، والله سبحانه وتعالى وصف النبي بأنه رحمة، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وكذلك قال: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
نحن نعتقد أن الاحتفاء ليس هو بمجرد الاحتفاء بذاته، أو هو بمجرد احتفاء غير مرتبط لا بهويتنا، ولا بديننا، ولا بقيمنا.
نحن عندما نحتفل بهذا في هذا الشهر في يوم ولادة المصطفى محمد صلوات الله عليه وعلى آله نجدد الولاء والعبودية لله سبحانه وتعالى، والاقتداء برسوله، وبأوليائه، وبالقرآن الكريم، ونجدد الولاء والعهد مع مواثيق الإسلام، ومبادئه القيمة، ومولد النبي كما ذكر الله سبحانه وتعالى على لسان عيسى: (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)، نحن نعتقد أن هذا الميلاد هو مهم بالنسبة للمسلمين، لتذكر هذه النعمة أولاً، ولتجديد العهد؛ لأن ما قبل مبعث النبي محمد يختلف، يكفي أن هذا النبي العظيم غيَّر مجرى البشرية بالكامل، وما زال أثره منذ 1400عام حتى هذه اللحظة، هو قائماً ليس على مستوى الجزيرة العربية، وإنما على مستوى الأمة، لما أحدثه من تغييرات على المستوى العام، وعلى المستوى الأخلاقي، والإنساني، والبشري، على مستوى الإسلام، على مستوى الدين، على مستوى القيم، على مستوى الشهادة لله ولرسوله، الله سبحانه وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا) (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ)، كذلك وصف الله سبحانه وتعالى النبي كما أن من صفات الله العلية أن من أسمائه العلية في القرآن الكريم، بأنه رؤوف، وبأنه رحيم، كذلك هذا النبي وصف الله بما وصف به نفسه، فقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
لهذا نحن نعتبر ليس كما يتصور الوهابية أن الاحتفال كما يقولون: إذا كان ثمة احتفال فليكن على الأقل بالمبعث أو بالهجرة، نحن لا نعتقد أن ولادة النبي كانت صدفة، ولادة النبي محمد كان قبلها إرهاصات كبيرة، كما تحدث الله، حتى عن موسى عليه السلام كيف أن الرعاية كانت تلاحظ ولادته وتواجه التحديات عندما قال الله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ) أي كانت الترتيبات مسبقة؛ لأن هناك إرادة إلهية يريد أن يُعممها على هذه البشرية، ولذلك نحن نعتبر أن المسلمين اليوم والحمد لله يحتفلون بالنبي محمد في أقصى الأرض ومشارقها، وإنما فئة بسيطة هم الوهابية حتى ليسوا هم أهل السنة والجماعة، أهل السنة والجماعة الأغلبية الساحقة من المسلمين سنة وشيعة يحتفلون بالنبي محمد، كل بطريقته، سواء بقراءة الأشعار والمدائح، سواء بقراءة الشمائل والسيرة، سواء بتجديد الولاء والانتماء، بترديد الصلوات على النبي وآله، بتجديد العهد لهذا النبي، ولهذا نحن نعتقد أن مولد النبي مهم جداً لهذه الأمة، لا سيما وهي تعاني تحديات كبيرة جداً، فالالتزام بالنبي، والعودة إلى حياة الأنبياء، ليكونوا هم القدوات العملية في مسيرتنا، فنحن نحتاج أن نرتبطهم بهم في مثل هذا اليوم، وأن نستمع إلى الإرشادات، وأن نجعل من هذا الشهر شهر فرح، وشهر ابتهاج بنبي الإسلام.
كما أن الاحتفال بالنبي هو يُنهي الطائفية، بل يُدمَّر المذهبية، وهو يُمثل حالة اجتماعية لدى هذه الأمة؛ لأن النبي هو من القضايا التي يُجمع عليها كل أبناء الإسلام قاطبة، هو كالقرآن الكريم، كمكة المكرمة، كالصلوات الخمس، كصيام رمضان، كالحج إلى بيت الله الحرام، فمن ينتقد مثل هذه المناسبة ولا يمتلك أي دليل وخاصة وأنه لا يوجد أي مظاهر للاحتفاء والاحتفال بهذه المناسبة ممكن أن تمثل خروج عن قيم الإسلام وعن أهدافه وغاياته النبيلة.
* طيب.. أستاذ محمد.. لماذا يتم الاحتفال بشكل متكرر وثانوياً بهذا المستوى الكبير وغير المسبوق؟
الآثار المفيدة من تكرار أو استمرار الاحتفاء بهذه المناسبة، وكل ما مرَّ علينا شهر ربيع الأنوار، ربيع الأول، هي لتجديد الولاء والعهد والعبودية لله سبحانه وتعالى، خاصة في زمن كثرت فيه التحديات والحروب والفتن، وكثر هناك من ينصبون أنفسهم أولياء للطاغوت، ويتولون الطواغيت، ونحن بحاجة أن نعيد الولاء، ونجدد مداميك الولاء للنبي محمد، وللأنبياء سلام الله عليهم.
كذلك الإساءات التي تمارس بحق النبي أن تكون هناك رسالة قوية من شعوب هذه الأمة الإسلامية جمعاء، هي ترد على مثل هذه الإساءات بأن النبي محمد يعتبر خطاً أحمر ومقدساً لا يمكن القبول به على الإطلاق.
إضافة إلى ذلك أن التكرار، بطبيعة الحال نحن لسنا فقط في شهر معين في السنة نكرر الاحتفاء بمحمد، بل كل يوم نحن نذكر محمد، الله سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) نقول في كل صلاة: اللهم صلَّ على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، في كل صلاة خمس مرات وأكثر.
كذلك نحن نذكر النبي محمد كما هناك من الآثار بالصلاة عليه، والسلام عليه، كل ما تذكر المرء في أي قضية من الانتماءات.
إضافة إلى ذلك في الأذان، نشهد أن محمداً رسول الله دائماً هذه الذكرى، هي ذكرى لله سبحانه وتعالى؛ لأن محمداً لا يمثل شخصاً فرداً عادياً، هو يمثل الله، وتقديرنا للرسول، هو من تقديرنا للمرسل، ونحن لا نتعامل مع النبي باعتبار أنه شخصية عربية هاشمية، نتعامل معه على هذا الاعتبار القومي، لا.. نحن نشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، لكن نحن نعتبر أن الامتداد للنبي هو امتداد إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال الله في القرآن كثيراً: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)، الله سبحانه وتعالى قال لأصحاب عيسى عليه السلام: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) إذاً المسألة لها ارتباط بقبول توجيهات الله سبحانه وتعالى، ومن هنا تصبح القضية ليس فقط بمجرد تذكير، وإنما مجرد الولاء لله ولرسوله، والاستلهام لكل الحياة التي عاشها النبي ليمثل مرحلة اقتداء؛ لأنه للأسف كما قال الشهيد القائد: "لم يعد هناك أحداً يتطرق إلى حياة الأنبياء ليكونوا هم القدوات، صُنعت قضايا تحت عناوين: سنن معينة، وأحاديث معينة تتعرض للاختراق والوضع، أصبحت هي من تمثل شخصية الرسول، لم يعد الرسول في رحمته، في هديه، في شجاعته، في صبره، في صموده، في تحديه، حياة النبي، من تأمل سيرة النبي يجد أنه يُمثل نموذجاً لما تحتاجه الأمة إلى يوم القيامة.
النبي عاش يتيماً، كفله جده عبدالمطلب، ثم بعد ذلك عاش يتيماً عند أبي طالب لفترة طويلة، حصار الشعب، ما تعرض له من مضايقات كثيرة جداً، هو وبني هاشم في حصار الشعب، ثم ذلك العام الذي سمّاه النبي بـ"عام الحزن"، ثم ما عاناه بعد ذهابه إلى الطائف وعودته وحيداً فريداً غريباً..
ثم بعد ذلك الهجرة، ووجود مرحلة جديد من بناء الدولة الإسلامية، وإيجاد القواعد العسكرية.
ثم حروبه مع أهل الكتاب، ثم حروبه مع المشركين.. الصراع السياسي والفكري، يمثل النبي حالة نحن اليوم في أي مرحلة تستطيع أن تعرض ذلك على القرآن الكريم، وعلى حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتجد وتستلهم منها الدروس.
* ذكرتم أستاذ محمد أن المولد النبي الشريف لم يكن صدفة، نحن نقرأ أيضاً في السيرة النبوية عن ما يُعرف بــ"الإرهاصات"، ماذا يعني هذا، ولماذا كانت الجزيرة العربية هي المكان المخصص من قبل الله سبحانه وتعالى لاحتضان الرسالة الخاتمة؟
أولاً: لا يوجد على الإطلاق أن يكون هناك نبي بعثه الله إلا لحاجة؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو يعلم حاجة الأمة إلى الهداية، وهو يدرك ويعلم ليس فقط الاحتياجات التي تعانيها مجموعة معينة، وإنما هو أعلم حيث يجعل رسالته، والله سبحانه وتعالى هو يختار، هو يصطفي (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، ولهذا الإرهاصات واضحة، عندما نعود إلى القرآن الكريم هو يمثل منهجية شاملة، نجد كيف كانت الإرهاصات مع نبي الله موسى، الله تحدث في القرآن بعثة موسى كانت ضرورة لإنقاذ بني إسرائيل من الظلم (ِإنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)، بدأت مرحلة بعثة نبي الله موسى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) الغاية هي إنقاذ البشرية من الظلم، رسالة الأنبياء مليئة بالقيم، بالأخلاق، مليئة بكل ما تحتاجه البشرية لتستقيم في الحياة.
بعثة النبي محمد يكفي أن يكون هناك موقفين من خلال القرآن الكريم يثبتين أن هناك حاجة ملحة لأن يبعث النبي محمد ذكره الله في القرآن.
المسألة الأولى: (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، الحالة التي كانت الجاهلية مسيطرة، والعرب لم يكن لهم دور، وكانوا في حالة بائدة من التخلف والجهل، كانت تتطلب أن يأتي إليهم نبي، وليس فقط ليشرف الله هذه الأمة، ألا يكون نبي كما كان بعض الأنبياء معينين لفئة أو قرى أو مدن، أو قوميات معينة، هذا النبي بعثه الله رحمة للعالمين، للعالمين بشكل كامل، هذه الحاجة الأولى، (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
الموضوع الآخر: يحكي القرآن الحالة التي كان قد وصلت إليها الجاهلية أن بعض القبائل العربية كانت تدفن الأطفال صغاراً إذا كانت أنثى، الله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، ويقول سبحانه وتعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) تخيل إلى أين وصلت القسوة إلى مرحلة شديدة أن يدفن المرء ابنته، طفلته، وفلذة كبده؛ لأنه هناك عادات جاهلية تعتبر مذمة لدى بعض القبائل، فيذهب ليدفنها حية، هذا مستوى متوحش وصلت إليه بعض القبائل العربية التي كانت تمارسها هذا الدور.
أضف إلى ذلك التاريخ يتحدث أن العرب كانت تعيش حروب على سباق ما بين فرس وبغل وبغلة، حرب داحس والغبراء، حرب البسوس، البعض يقول: إنها مكثت أربعين عاماً، والبعض من يقلل: أنها إحدى عشر عاماً، حروب لا قيمة لها إلا تدمير الإنسانية، إضافة إلى ذلك الغارات التي كانت تحصل بينهم، والخلافات بين القبائل، كل قبيلة تغير على القبيلة الأخرى، حالة من الضياع، حالة من التيه، والله سبحانه وتعالى كانت هذه الإرهاصات كفيلة.
إضافة إلى ذلك هي ليست بحالة إرهاصات بقدر ما هي حالة سائدة يتفاقم فيها الظلم والطغيان والجبروت، والله سبحانه وتعالى هو خلق البشرية لأن يهديها، وإرسال الأنبياء هو نوع من هداية البشرية لأن تصل إلى مرحلة من الرقي، ما سخر الله الشمس والقمر والسماء والكون والحياة والأسباب كلها إلا لحياة الإنسان لكي يستقر عزيزاً كريماً، وأن لا يُفسد في هذه الأرض.
أضف إلى هذا أن الإرهاصات التي سبقت النبي كثيرة، وكان أهل الكتاب الذين توافدوا إلى الجزيرة العربية يعرفون ذلك، وكانوا حتى يستفتحون على الذين كفروا من قبل فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، وحتى عيسى عليه السلام تحدث عن النبي، وكان أهل الكتاب أن نبياً سيبعث لهذه الأمة، وكذلك ما حصل من إرهاصات في مولده، وما حصل من بعده إلى أن نزل الوحي على النبي صلوات الله عليه وعلى آله، وما كان يمثله النبي من أخلاق عالية، كان مهيأ، ليست المسألة أنه في لحظة من اللحظات الله سبحانه وتعالى قرر أن يبعث هذا النبي الآن لأسباب طارئة، الله سبحانه وتعالى جعل من هذا النبي محاط، حتى قريش رغم جلافتها داخل الجزيرة العربية، لكن كانت محاطة، ولهذا ذكرهم الله بــ (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) ذلك الإلف الذي كانت العرب يتخطفهم الناس وهم كانوا في حالة من الأمن والاستقرار، كانت هذه آية لأنه سيبعث من هنا نبي سينقذ هذه البشرية.
ثم كذلك حمى الله الكعبة في (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) عندما جاء أبرهة الذي كان يمثل أيضاً امتداداً فكرياً وثقافياً معيناً، يعلم ويعرف أنه من هنا من هذا المكان، من مكة المكرمة سيخرج نبي في توقيتات، أو في معالم معينة أصبحت ظاهرة، فجاء لهدم الكعبة، ولمراقبة متى يوجد مثل هذا الشخص للقضاء عليه، وهذه حالة يهودية ذكرها الله ونصرانية وللمشركين وللشياطين ولكل من كان له قدرة على مواجهة خط الاستقامة والتوحيد، وخط العبودية لله سبحانه وتعالى.
* في ما يخص خط الهداية، البعض أستاذ محمد يتساءل عن أهمية إرسال الرسل والأنبياء، وعن علاقة هذا ببناء حياة الإنسانية بشكل عام؟
الهداية للبشرية هي قضية ارتبطت بالله سبحانه وتعالى؛ لأنه خلق البشرية في هذه الأرض، وأرسل إليهم الرسل، وأرسل الأنبياء، وأرسل ما يتطلب أن يكونوا بمستوى عالٍ جداً من تحقق أسباب الهداية للغاية التي خلق الله البشرية إليها.
كذلك الله سبحانه وتعالى ما خلق هذا الكون والسماوات والأرض، وما بينهما إلا بالحق، وما خلقها لعباً ولهواً، الله يتحدث في القرآن الكريم في أكثر من موقف (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)، ويقول: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)، ويقول أيضاً في موضع آخر: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ).
الأنبياء أكبر معالم الرسالة الهامة للقيام بالحق، ولحمل راية الحق، وهم من يتحرك في تقديم الرسالة للناس لتقديم العبودية لله سبحانه وتعالى، وأكد الله سبحانه وتعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) تعالى الله عن هذا العبث، أو أن يخلق البشرية ثم يتركهم مع هذا النظام الهائل والكبير، والتسخيرات العظيمة، ثم يترك هذه البشرية بلا أنبياء، بلا رسل، ثم يأتي يوم القيامة ليتعرضون للعذاب، فيقول: (قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى)، ولهذا في كثير من الآيات القرآنية عندما يتحدث مع الملائكة، ملائكة النار الذين يقفون على أبواب جهنم يسألون: (قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى)، (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (ألم تأتكم رسل) هذه حجة، فوجود الأنبياء والرسل من أكبر الحجج والحاجة الضرورية، والله سبحانه وتعالى هو أعلم، ونحن لا نستطيع، نحن أن يأتي شخص معين، في مرحلة معينة، في عمر معين، يحصل على ثقافات معينة، ثم يبدأ يقدم مقترحات على الله، ولماذا؟ وكيف؟، في عمر معين، يجب أن يكون الإنسان أكثر خشوعاً وخضوعاً وخوفاً، وأن يدرك أن الله سبحانه وتعالى ما خلق هذا الكون المحكم والدقيق لهواً ولا عبثاً، وهذا لا يتصرف به عاقل، أن يدرك أن هذا الذي خلقه الله سبحانه وتعالى، وسهل فيه الكثير من الأسباب ما يؤكد أن هناك غاية يجب أن يصل إليها الكثير من البشرية، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) ما كان الله سبحانه وتعالى ممكن أن يعذب القرى وأهلها مصلحون؟، والصلاح يأتي عن طريق الأنبياء سلام الله عليهم، الله تحدث عن إنزال الكتب، وإنزال الميزان، وإرسال الأنبياء، وإرسال الكثير مما يعين الأنبياء على القيام بدورهم، فحاجة البشرية إلى الأنبياء حاجة أساسية، كما نحتاج للهواء والماء والطعام، وإلا فستكون حياة كالأنعام، وربما تتحول حياتهم إلى عشوائية كبيرة جداً، ودمار هائل جداً بمستوى متدنٍ من القيم والأخلاق، وكذلك للغاية التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يحق الحق، ويبطل الباطل، وأن من يستحق العذاب أن يُعذب وهو يعترف أنه يستحق ذلك العذاب، كذلك ما جاء في كثير، قال الله: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)، قال الله: (بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ).
كذلك يتحدث الله عندما يساقون الكفار إلى نار جهنم: (وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ)، وكذلك الكثير من الآيات التي تتحدث، فالنبي محمد هو رسول لهذه الأمة، كما كان الأنبياء رسل تحتاج إليهم البشرية حاجة مهمة جداً، وقد اتضحت الكثير من القضايا للبشرية أنهم بدون الأنبياء سيتحولون إلى عبادة الطاغوت، وإلى عبادة الشيطان، وإلى اللهو، وإلى الإفساد في هذه الأرض.
* نعم أستاذ محمد يجادل البعض في هذا الموضوع، وأن رسالة الأنبياء صلوات الله عليهم هي رسالة سلمية، ويقولون استناداً إلى الآية القرآنية: (فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) وأن الاقتداء بالأنبياء يجب أن يكون سلمياً أيضاً، كيف نجمع بين أهداف السلام والآيات التي تتحدث عن القتال والجهاد في القرآن الكريم؟
إذا ما تفهمنا للدور الذي قام به الأنبياء من خلال القرآن الكريم، بل حياة التدافع التي خلق الله سبحانه وتعالى وأوجدها لحكمة، الله يقول في حديثه مع الأنبياء، مع الملائكة عندما أمرهم بالسجود للنبي آدم عليه السلام: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ).
يقول الشهيد القائد في دروس رمضان: "أن هذا الاستهتار هو ينبئ أنه قد فهم الملائكة أن من الدور الذي سيجعله الله للبشرية التي استخلفهم الله في الأرض، ألا يكونوا كدور الملائكة مفطورون على العبادة، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ويقدسون الله، ويسبحونه، ويسجدون له ويركعون...إلخ، هنا كان هذا الاعتراض أنه طالما سيكون من طبيعة هذا الإنسان أن له نوعاً ما، من حرية الاختيار، والتكاليف، وأنه سيحصل صراع وإفساد، وقتل، وسفك للدماء، كان هنا مثل هذا الاعتراض.
دور الأنبياء عليهم السلام كان دوراً يتمثل في أنه صراع مع الباطل، الصراع مع الباطل قد يكون صراعاً عسكرياً، ثقافياً، تربوياً، سياسياً، اقتصادياً، ونجد أن الله سبحانه وتعالى قدم نماذج من الأنبياء عليهم السلام خاصة من أولئك الذين هم أولوا العزم بما كلفهم الله من مهام كبيرة، يتحدث على أن هؤلاء عانوا، وكانوا يقفون في سبيل الدعوة، الدعوة نعم تبنى على التبيين والتوضيح والهداية، لكن للأنبياء دور مهم، ولهذا نجد أن الله في القرآن تحدث عن إبراهيم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) هذا صراع عند طاغية كبير جداً يدَّعي الربوبية، يدَّعي الألوهية، يدَّعي أنه يحيي ويميت، ولذلك كان إبراهيم قوياً، وفي سياق آخر يقول: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ) كان إبراهيم عليه السلام بمستوى عالٍ جداً من الوعي، ومن الإيمان، حتى مدحه الله في مواضع كثيرة في القرآن؛ لأنه أتم ووفى، واتخذه الله خليلاً، وإن إبراهيم كان أمة، وإبراهيم كان على مستوى عالٍ جداً من المسؤولية، مع ذلك تعرض لهذا الصراع الكبير جداً، حتى في سياق آخر عندما بدأ بجدال في تكسير الأصنام، قال الله: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ) هنا إعلان موقف صريح لعبادة الله سبحانه وتعالى، بعد ذلك تعرض أن يهيئ أن يحرقه أولئك الطغاة، وأنجاه الله من النار، وكان هناك الكثير من الصراع الفكري والثقافي عندما كان يشدهم إلى الله سبحانه وتعالى، (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ)، ثم كذلك الحديث الواسع داخل القرآن الكريم يقدم لنا نموذج أن نقتدي، وأن نفهم أن الأنبياء، نعم هناك صراع مع الباطل، والحق دائماً يأتي على أيدي وألسن ومواقف الأقوياء، حتى مع نبي الله نوح عليه السلام: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) لا تذهبوا لتعملوا سراً، (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ) تفضلوا ماذا أنتم فاعلون؟ أنا هنا متوكل على الله سبحانه وتعالى.
كذلك بقية الأنبياء، موسى عليه السلام، حروب، فتن لا أول لها ولا آخر، مع من؟ مع أهل الكتاب، مع الذين خبثت نفسياتهم، مع الذين قتلوا الأنبياء، كيف الذي يقول: الأنبياء دعاة.. نعم هم دعاة تبين، الله سبحانه وتعالى تحدث أن هناك أنبياء قُتلوا، ولذلك تحدث عن اليهود بأنهم (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) عندما قال: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ).
كذلك قال الله أن هناك أنبياء قتل: (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ) هنا صراع.
موسى عندما أمر قومه أن يدخلوا إلى تلك القرية ورفضوا، عندما ذهب أن يلقى ربه ثم عاد وقد عبدوا العجل بعد ما جاءتهم آيات كبيرة جداً، إذاً صراع كامل، صراع حرب اقتصادية، حرب سياسية، حرب عسكرية، الباطل يستخدم كل أدوات الصراع، وهذه سنة بشرية منذ أن خلق الله آدم وحتى قيام الساعة.
كذلك ما ذكره الله سبحانه وتعالى عن نبينا في القرآن أكثر بكثير مما ذكره عن القضايا العبادية، الله يتحدث عن النبي في مواطن الجهاد، سواء كانت الإعداد، التحضير، المؤامرات، المنافقين، الصلح، الخيانة، الإعداد، الله سبحانه وتعالى يقول: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، يقول الله في موضع آخر: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، إذاً مهمة الأنبياء تتعرض أيضاً للمضايقات، كذلك ليس النبي في القرآن، إذا كان الله تحدث عن لمحات معينة عن تاريخ الأنبياء، أما النبي محمد فأغلب آيات القرآن تتحدث عن الجهاد، تتحدث عن القتال، تتحدث عن البصيرة، تتحدث عن الوعي في الصراع مع أهل الكتاب والمشركين والمنافقين.
لا شك هناك آيات تتحدث، حتى بعض الآيات كانت تأتي والنبي في سيره إلى إحدى الغزوات أو المعارك، لكن كانت كلها تأتي في إطار منظومة متكاملة، لا نستطيع أن نقول: نبي بلا جهاد، بلا مقاومة، بلا مقاومة للباطل، بلا حمل راية الحق، بلا إظهار عبودية الله، بلا الدعوة إلى القيم والأخلاق، لا نستطيع أن نثبت ذلك، إضافة إلى هذا، عندما نجد أن الله سبحانه وتعالى كيف سطر مواقف من وقفوا مع الأنبياء، وهذا مما ذكره الشهيد القائد في أكثر من محاضرة: "أن الله سبحانه وتعالى من خلال استعراض القرآن الكريم، وحديث الأنبياء، ومن وقف مع الأنبياء، يتحدث عن رجال مغمورين ليسوا معروفين، وتجاهل المثقفين، وتجاهل الملأ، وتجاهل أولئك يعتبرون أنفسهم بمستوى عالٍ من الحكمة، أو من البصيرة كما يتصورون، مع نبي الله موسى عليه السلام عندما أمرهم أن يدخلوا القرية وتململوا وقالوا: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ)، ماذا قال: سطر الله كما قال الشهيد القائد: موقف رجلان، (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ) أي يخافون الله، ويرجون ثوابه، ويخافون عقابه، ليس كما يقول بعض المفسرين: يخافون، أن أولئك جبارين، وكانوا عمالقة وما أشبه ذلك، سياق الآية كما ذكر الشهيد القائد تؤكد على أن هؤلاء وصفهم في إطار المدح، وقدم كلامهم مع الأنبياء فعلاً، وقال رجلان بعد حديث موسى، وبعدها حديث موسى، فسطر الله هذه المواقف في إطار المواقف القوية،(قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) قال الشهيد القائد: قدموا خطة عسكرية، كان لديهم بصيرة.
في سياق آخر أيضاً، في سياق الرجل المؤمن آخر في سورة ياسين عندما جاء الأنبياء الرسل إلى تلك القرية (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى)، ماذا كان موقف هذا الرجل يسعى؟ (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آَمَنْتُ) إعلان (بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ)، تعرض للقتل، (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)، أي تحول إلى شهيد في لحظة سريعة، يتحدث بكل آسى وأسف عن هؤلاء القوم، سطر الله موقف هذا الرجل، قال الشهيد القائد: في كل مجتمع من مجتمعات الأنبياء في العادة يكون هناك أصحاب أفكار وسطية، وملأ، ومن يعتبرون أنفسهم مثقفين.
كذلك مع مؤمن آل فرعون عندما نجد أن الله سطر كلامه في القرآن، وكلام مثل هؤلاء الرجال يُتلى إلى يوم القيامة، في أعز وأقدس كتاب وجد على هذه الأرض، في كتاب لا يمكن أن يفنى، أو يتعرض لطمس على الإطلاق، وقدم كلام هؤلاء الرجال الصادقين الصالحين في حديثه وكأنهم أنبياء.
في سورة غافر أيضاً، وفي آيات أخرى في القرآن الكريم عن هذا الموقف، مواقف الأنبياء، ومواقف الذين تبرز كانت مواقف قوية، (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)، موسى ماذا قال؟، وكأنه حوار بين المقربين من فرعون، ومن آل فرعون مع موسى (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) برز موقف، (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ) لكنه هنا أعلن إيمانه، هذا الموقف بكل قوة، وأمام من؟، أمام فرعون المتفرعن الظالم الطاغية الذي همَّ أن يعتدي على كل بما فيهم امرأة فرعون، وهنا (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ).
ثم يتحدث بآيات عظيمة: (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا) ثم يتحدث الله في آيات كثيرة وهو أشبه ما يكون بتعبيرات الأنبياء، الدعوة إلى الصلاح، والتحذير من الغرور بهذه الدنيا الفانية، والتوجه إلى عبادة الله الخالق القوي الجبار، (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآَخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)، لاحظوا ماذا قال الله بعد ذلك؟ (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا)، هنا موقف قد يتعرض للشهادة، وهنا موقف حتى وإن قلت كلمة الحق، وجاهدت في سبيل الله، ما معنى أنه دائماً قد تتعرض أيضاً للشهادة، (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) آيات عظيمة.
امرأة فرعون، امرأة فرعون، تلك المرأة العظيمة التي وصفها النبي محمد بأنها من سيدات نساء العالمين، عندما قال: "أربع سيدات نساء العالمين هن: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بن خويلد، وفاطمة" عليهن السلام، هذه المرأة ضرب الله بها مثلاً، هل ضرب مثلاً للذين آمنوا في موقف عادي امرأة صالحة وما أكثر الصالحات؟ لكن في موقف صعب جداً، وفي موقف هام، وضربه مثلاً للذين آمنوا رجالاً ونساءً، وليكن من امرأة فرعون، هذه المرأة الصالحة التي دخل الإيمان في قلبها حتى أصبحت لا ترى قصر فرعون، وأموال فرعون، وتلك القصور الفسيحة، والفرش الوثيرة، والخدم، والمباني العامرة، لا تراها شيئاً؟!، مع الظلم، مع الطغيان، ماذا قالت كما يقول البعض، أو يروي البعض: أنها عندما أظهرت إيمانها لسبب ما من تكبر فرعون وجبروته، وتعرضت للمضايقة من قبل فرعون، وهمَّ بأن وضعها في الأوتاد، وهمَّ بأن يلقي عليها صخرة، ماذا نادت ربها، ذكر الله ما قالت؛ لأنه لم يعد أحد يروي لنا إلا الله أصدق القائلين: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) ذلك القصر لم يعد لديها ذا أهمية (ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) هذا المثل في إطار ماذا؟ في إطار تحدي، في إطار تحدياً قوياً.
كما ضرب الله أيضاً مثلاً مريم بنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا، وهي أيضاً مثل كبير جداً، لكنها مثل في إطار تقديم الاصطفاء لامرأة كان بنوا إسرائيل قد دُنسوا بثقافات مغلوطة، (يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ).
فمن خلال القرآن الكريم نستشف أن حديث الأنبياء، وخاصة نبينا محمد، وما ضربه الله عن الأمم الغابرة يؤكد أن المواقف القوية في مواجهة الطغاة يرضى الله عنها، وهي مواقف تقدم شهادة على عظمة حب الله، والذوبان في حب الله إلى مستوى أن لا تشاهد الكبرياء والصخرات ولو كانت فوق رأسك، لا تشاهدها إلا كأنها لحظة واحدة ثم تلقى الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الذي ذكره الله في القرآن الكريم، فتقديم الأنبياء هم الدعاة إلى السبيل بالهدى، بالتوضيح، بالتوضيح نعم، لكنهم مارسوا كل أنواع، حتى أن الله يتحدث عن النبي أن يأخذ العبرة، والأنباء التي تحدث فيها عن الأنبياء السابقين، بأنهم قد كُذبوا وأوذوا، وأن يصبر؛ لأن ذلك هو من محط الاهتمام والتضحية.
ما جعل الله الأنبياء إلا في سياق أن يواجهوا التحديات، عسكرية في مقدمتها؛ لأنها هي أبرز التحديات، ثم تحديات الدعاية، والظلم، والأذية، والصبر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا).
كذلك الأذية للنبي (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) كل هذا يأتي على مراحل معينة لكل نبي، في كل مرحلة.
* صحيح أن الحق في صراع دائم، كما فسرتم هناك صراع سياسي، اقتصادي، عسكري مستويات متعددة للصراع، هذه المستويات من الصراع هل تكون بالشكل المتزامن، أم أنها تتحكم بها وضعيات معينة؟
قد تكون هناك وضعيات معينة سواء لأمة تقتدي بالأنبياء، تسير على خط الرسالات، تسير على خط القرآن، وهنا لدينا نحن تجارب كبيرة جداً ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم سواء عن الأنبياء والذين وقفوا مع الأنبياء، أو الذين حتى خذلوا الأنبياء، وهناك كثير داخل القرآن الكريم، لكن المؤكد أن الحق يظل في صراع مع الباطل، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل الحق جذاب، فدعوة الأنبياء إلى الإحسان، إلى إكرام الضيف والجار، إلى إعطاء الحقوق، إلى الأرامل والأيتام، إلى تكريم الإنسان، إلى حق ولا تبخسوا الناس أشياءهم، حتى على مستوى الإيفاء بالكيل، وما تحدث الله عن نبي الله شعيب، وكذلك الطغيان، الفساد في الأرض، الفساد الأخلاقي، الفساد الاجتماعي؛ لأن عبادة الطاغوت، وعبادة الشيطان ليست مجرد عبادة، لا يمكن أن يكون لها آثار، يقول الشهيد القائد في بعض المحاضرات: "أن المعصية على المستوى الفردي تؤثر على مستوى المجتمع، والإنسان يمكن أن يرتكب معصية معينة لا يمكن أن يكون الضرر يعود على نفسه، بل يعود على المجتمع؛ لأنه سيتحول إلى عنصر سوء، سيؤثر على المجتمع، وسيكون عنصراً مسيئاً للمجتمع، بل وسيكون قابلاً لأن يروج للشيطان، ولأجندة الشيطان.
فالصراع ما بين الحق والباطل، هو صراع موجود، فإذا ما رأينا الباطل انتصر، أو توسع على حساب الحق، فهو كما قال الشهيد القائد: "اعلم أن ما يقارب 70% هو بسبب قعودك أنت"، ولهذا نحن يجب أن نفهم وأن ندرك أن الله قد أكد أن هذه الحياة زائلة، لن يذهب أحد إلى مجال الصراع فيتعرض إلى أن يتأخر عنه الإبداع، أو يتأخر عنه الإنتاج، بل نحن وجدنا ومن خلال التجربة أن العمل مع الله في ميدان العمل هو ميدان الاهتداء، وهو ميدان الكفاءات، وهو ميدان التدريب، وهو ميدان التعليم.
كما كان الأنبياء عليهم السلام، وكما كان الكثير من الصالحين الذين يتحركون في الميادين؛ لأنه (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)، لذلك نحن نعتقد أن الصراع سيظل هو صراع قائم مع الباطل، ولكن إذا تحركت الأمة، وأخذت بأسباب، هناك وضعيات قد تحصل، لدينا من خلال حياة النبي ونحن نحتفي بمولده، نجد أن النبي في وضعيات معينة كان يترك بعض المعارك الهامشية، ويهتم بمعارك أساسية، وفي مراحل قد لا يتطلب أن يكون هناك معركة، إذا لا يوجد هناك أنصار، إذا لا يوجد هناك بناء، لكن لا يعني ذلك أننا قد نتعايش مع الباطل، التعايش بمعنى تصفير المشاكل مع الباطل، وأن الباطل سيظل مستمراً، ونحن نظل مستمرين، هذا غير صحيح لا ينسجم مع القرآن الكريم لو قال من قال، لو قاله عالم، أو مفكر، أو أديب أو مثقف، هذا يتعارض مع القرآن الكريم، بل يتعارض مع مبدأ البشرية، ألم نجد الآن العالم يتصارع؟، يتصارع وهم على باطل بأجمعهم، أفيترك الحق وأهل الحق، هل سيتركون، ولهذا نجد أنه يحارب من يقوم بكلمة الحق فوراً، ونحن نجد أنهم لا يعتدون اليوم علينا في اليمن إلا بسبب أننا تقدمنا بكلمة الحق، وقمنا بموقف الحق، ونفذنا توجيهات الله سبحانه وتعالى بما يمليه علينا واجبنا الأخلاقي والديني والوطني أمام الله سبحان وتعالى أولاً، وأمام البشرية ثانياً، فاتجه الباطل بجحافله ليأتي 17 دولة لتحاربنا نحن، ليست المسألة على خلافات، لا قبلية، ولا اجتماعية، ولا على مصطلحات، هناك خطر، الباطل لا يمكن يتعايش مع الحق على الإطلاق، ولهذا إذا رأينا البعض جالسين لا يتأثر الباطل منهم يجب ندرك أن الباطل لا يتأذى منهم، والله تحدث، (جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِين) عدو وهم أنبياء، كان لهم أعداء، الشهيد القائد ذكر في الكثير من المحاضرات لو كان بالإمكان أن يعيش الناس في دعة لكان الأنبياء أولى، وهم أحب الله، وأصفياؤه، وأولياؤه، وهم من يعرفون عظمة الله سبحانه وتعالى، لكن لا.. كان النبي يتحمل، كان النبي يجاهد، كان النبي يُدمى، كان النبي يتعرض لمضايقات، كان يتعرض لهموم، ولنقرأ سيرته قراءة عملية، القراءة للسيرة النبوية من خلال القرآن الكريم، وحتى من خلال التاريخ المعتمد في إطار الواقع العملي، والاقتداء (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) نحن نريد أن نقتدي عملياً، لا أن يكون الصراع مع الباطل يتحول إلى أنه شرعي، وأننا يمكن أن نتعايش مع الباطل، حتى الأنبياء لم يستطيعوا أن يتعايشوا مع الباطل.
* ما أشرتم إليه أستاذ محمد من استحالة تعايش الحق مع الباطل، هذا هو الواقع الذي نراه أمام أعيننا، لكن قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) كيف نفهمها في هذا السياق؟
الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يتحدث عن بعض المواقف، وما يتعرض له الأنبياء في سبيل الهداية والتبيين، أنه ليس عليهم في الأخير أن يدخلوا إلى قلوب الناس، أو أن يغيروها، وأنه إذا حصلت لهم مضايقة، أو كلام مسيء، أو أذية أن يصبروا، لكن لم يتحدث القرآن أن يصبروا على انتشار الباطل، أو أن لا يكن ذلك الصبر ليس صبراً في إطار العمل، ولهذا نحن نجد أن مثل قوله سبحانه وتعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) قد تحدث الشهيد القائد في الدرس الحادي عشرة من دروس رمضان حول هذه القضية؛ لأنها تستخدم فعلاً في كل مرة، سواء ذهبوا للتطبيع، أو أرادوا أن يواجهوا من يتحرك بالقرآن، وبالجهاد في سبيل الله، والعمل مع الله سبحانه وتعالى يقولون: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ).
الشهيد القائد تحدث في تلك المحاضرة وقال: "هم يقدمون هذه الآية وكأن البوارج وبواخرنا وأساطيلنا البحرية العسكرية هي التي تجوب أوروبا وأمريكا، ونحن الآن في إطار أن نقسرهم قسراً، أو أن نفرض عليهم فرضاً أن يدخلوا في دين الله، دين الله قائم على التبيين، دين الله قائم على الهدى والتوضيح، والنفوس الإنسانية تقبل هذا الهدى؛ لأنها فطرة الله التي فطر الناس عليها، فطرة تقبلها الإنسانية، لكن عندما تقدم مثل هذه الآية باعتبار أن يُقبل الباطل، أو أن يتعايش الحق مع الباطل؛ باعتبار أنه لا إكراه في الدين، هذا غير صحيح، لأن ليس المعنى القبول للباطل بكل ما يتحرك فيه في الإطار العملي، أما التبيين والتوضيح فهو منهج الأنبياء، ولهذا كان هناك منافقين في عهد النبي، النبي يعرفهم، والله يعرفهم ولم يذهب إليهم ويتحدث (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى) كانوا يصلون مع النبي (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ)، ومن لم يكن بمستوى أن يفهم ويدرك الحالة التي قدم القرآن فيها حياة الأنبياء لا يمكن أن يخطئ، الله سبحانه وتعالى يقول في سياق آخر: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ) بمعنى أنه في إطار العمل إصبر، إصبر في إطار عملك، بمعنى أنه الأذية الكلامية يمكن أن تتحمل، أذية معينة لا توجد لديك الإمكانات الكاملة للمواجهة، (قد نعلم إنه .... أن تبتغي سلماً في السماء...إلخ إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون) إذاً هذا في مسألة التوضيح والتبيين.
كذلك عندما تحدث عن قوم عاد (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، المسألة مرتبطة بالتوضيح، النبي يوضح، لا إكراه في الدين، نحن سنعرض هذا الإسلام، وهذا الدين لا إكراه، لكن لهذا الدين موقف، هو تعامل مع هذا الدين كما نتعامل مع قوانينكم، عندما تدخل بلداً معيناً، يقول: "هذا القانون لا يسمح" أحياناً أنت تضطر أن تلتزم بهذا القانون، وأنت لا ترى أنه مهم، هل جاء يوم ما أمام محكمة معينة في هذا العالم فقال القاضي: القانون يقول إن هذا الإجراء عليه من الجزاءات والعقوبات كذا، قلت: أنا حر، ونحن في بلاد الحرية، أنا لا أقبل هذا القانون، ولست مؤمناً به، لا يمكن أن يقبلوا منك ذلك، لا يمكن أن تستقيم الوضعية، فكيف إذا كان من أنزل هذا الدين هو رب البشرية، هو رب العباد، هو من يعلم خيرهم، وهو يعلم ما يهديهم إليه، مثل هذه المقارنات أو محاولة حتى البعض من الآيات خارج سياقها العام، وفي خارج إطار منهجيتها، أو في تقديمها في مكان غير صحيح، لم نصل نحن، ما زلنا في مرحلة دفاعية، الأمة للأسف بأكملها هي في موقف دفاعي بل متأخراً، وليس متقدماً، فلما بعد نصل حتى يأتي البعض فيقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) في فرنسا مثلاً الحجاب عندما فرضوا نزع الحجاب عن المحجبات، قالوا: قانون، وفرضوه، قانون، وهذا القانون يُخل بأبسط أدبيات الحرية، هل هذا القانون عندما تأتي تتعامل معه لا يمكن أن يقول لك: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) لا إكراه في القوانين، لا إكراه في الأوامر، لا.. لا إكراه في الدين، نعم، تريد أن تؤمن فلتؤمن، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، أو من آمن فلنفسه، ومن كفر فعليها، لكن لدين الله منك موقف، مثل ما كان يعمله النبي، كان يوضح لقريش من آمن منهم آمن، وكانوا يؤذوه وكان يصبر، لكنه تحرك عملياً وذهب إلى أن يعاقب هؤلاء المشركين، وأن يفرض عليهم دين الله، وأن يقسط الربا، وأن يجلد على الخمر، وأن يعاقب على كثير من الإجراءات، فما استقامت البشرية إلا بهذا، الله سبحانه وتعالى، حتى أن البعض يقول: كل هذه القيم التي فيها قوانين في الجماعات إنما استخدمت أو استنبطت من منه الأنبياء عليهم السلام.
* بالحديث عن القدوة والاتباع لسيرة النبي صلوات الله عليه وعلى آله نريد أن نعرف يا أستاذ محمد هل هناك منهجية واضحة في تعامل النبي صلوات الله عليه وعلى آله وسلم مع الأحداث التي حصل فيها صلح، معاهدات، كما حصل بعد وصوله إلى المدينة ووثيقتها التي دخلت فيها تجمعات يهود، كذلك صلح الحديبية، وهذه هي المواقف التي يستند إليها المطبعون اليوم؟
صحيح في السنوات الأخيرة استخدم من ذهبوا للتطبيع مع اليهود، هم طبعاً لم يأتوا لاستخدام الآيات القرآنية، أو حتى حياة النبي في إطار أنهم مهتدون بالنبي، وأنهم فقط إنما اكتشفوا هذا الدليل فذهبوا إلى التصالح أو إلى التطبيع مع اليهود الصهاينة.
أولاً: يجب أن نفرق، التطبيع ليس صلحاً ولا عهداً ولا اتفاقاً.
أما ما يعتمدون عليه في حياة النبي صلوات الله عليه وعلى آله، أو ما يتحججون ويشيرون إليه فهو يعتبر خارجاً عن السياق، بل ليس في سبيل الاهتداء ولا الاقتداء بالنبي.
النبي محمد بعد الهجرة خرج من مكة بشكل سري، وعمدت قريش إلى أن تقدم جائزة مائة ناقة لمن يأتي بخبر أين اتجه النبي، أو إلى أي طريق التزم بخروج من مكة، وقد تحدث الله سبحانه وتعالى في القرآن عن هذه المرحلة ومرحلة الهجرة، وصل النبي إلى المدينة المنورة، واستقبله الأنصار بكل حفاوة وترحاب، كان هناك منذ فترة تجمعات يهودية معروفة تأتي في الجزيرة العربية، وهي عادة معروفة بين القبائل حتى ربما إلى اليوم، أنها إذا جاءت مجاميع من خارج هذه القبيلة، أو من خارج هذه المجتمعات، أن يكون بينهم اتفاقات، أو ما هو في العرف معاهدات، مشورة، أو يكون هناك نوع من الحماية تقوم بها هذا القبيلة لهؤلاء الموجودين، وتكون بينهم تحالفات، يدفعون لهم أموال، حربهم حربهم، سلمهم سلم، يدفعون أيضاً حتى المال يشاركون في كثير من القضايا، وصل النبي وهناك بعض الشخصيات الاجتماعية التي كانت موجودة في المدينة لديها تحالفات ليس فقط حتى مع اليهود، بل كانت هناك تحالفات تجري مع القبائل.
السيد حسين أيضاً تطرق إلى مثل هذه المسألة، والسيد عبدالملك كذلك في كثير من المحاضرات، وأن المسألة كانت تأتي أن النبي أضاف إلى هذه البنود قضايا أخرى، وهو أن يكون إضافة أن يلتزموا أيضاً بدفع المال من أجل الحرب، وأن لا يخونوا، وأن لا يتعاهدوا مع المشركين، النبي هو يعلم، هو قادم إلى هذا المكان، كان يعلم أن المدينة ربما ليست مهيأة، وما زال فيها من لديهم ربما مصالح معينة مع اليهود، مع ذلك ما عمل؟، إلغاء للقضية، لم يصفر العداد مع اليهود، وقال: نعترف بالتطبيع مع اليهود، نعترف بحقكم في هذه الأرض الموجودة في يثرب، لم يقل هذا الكلام، هو قدم معاهدة أضاف إليها بنود بأن يلتزموا حتى في إطار الجزاءات والحدود أن يلتزموا بما يمليه عليهم النبي، وهذه وثيقة معروفة، نلحظ ماذا عمل النبي، كانت هناك أربعة تجمعات أساسية: بنوا قينقاع، بنو النضير، بنو قريظة، وخيبر، المعركة الأساسية هي مع المشركين، ليس من مصلحة النبي هنا أن يفتح معركة أخرى مع اليهود، وأولئك في طلبه، والمجتمع في المدينة ما زال حديث عهد بالإسلام، كان هذا من البصيرة والوعي، الذي يدرك النبي أن الباطل لا بد ألا أن يصطدم مع الحق، لكن قد تأتي مرحلة أنت بحاجة أن تترك هذه المعركة لأن هناك معركة أهم؛ لأنه ربما يؤدي أن يتحالف هؤلاء مع هؤلاء فيكون الضرر أكبر، وهذا هو من البصيرة، ومن الوعي، وهو من التدبير، وهو من الحكمة، وهذا أيضاً من التخطيط، روي عن النبي أنه قال: "الحرب خدعة"، في معركة الخندق عندما ......، أيضاً مع التحالفات مع اليهود، ماذا عمل النبي مع هذه التجمعات، يقول السيد حسين: "لقد استطاع النبي بحكمته وبصيرته أن يقضي على اليهود وهم من في خطرهم، وهم من لديهم الكثير من المفاهيم الثقافية، والمعالم الدينية استطاع أن يقضي عليهم على هامش حروبه مع المشركين، أي لم تكن هناك حرباً أساسية" وكان هذا كلام دقيق.
بعد معركة بدر عندما جاء النبي إلى المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار، وأسس لدولة إسلامية ذات أركان عسكرية، هو يعلم أن قريش لن تتركه، وهذا حصل، وتجمعت قريش، وبادر النبي للقيام ببعض الأعمال العسكرية، وبعض السرايا، وجاءت معركة بدر الكبرى، وانتصر فيها المسلمون.
بنوا قينقاع كانوا من المقاتلين الشديدين، حصل منهم بعض البغي والحسد، ماذا عمل معهم النبي خرج إليهم مباشرة وحاصرهم وأجلاءهم بعد ما توسط البعض من المنافقين لئلا ينفذ فيهم حكم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وانتهوا.
بمعارك بسيطة جداً، البعض فيها ربما 2 3 4 5 يقتلوا.
بنوا قينقاع كانت معركة بعد معركة بدر في السنة الثانية للهجرة، أيضاً عندما حصل إجلاء بني النضير، كان بعد أحد مباشرة، عندما أدرك النبي قد يحصل منهم خللاً معيناً يأتي النبي إلى تلك المرحلة فيحصل منهم مطالبة بالوفاء بالعهود، لأنهم أيضاً تحالفوا، وكان هناك مراسلات ما بينهم وبين المشركين.
كذلك عندما جاءت بنوا قريظة، كانت أيضاً بعد غزوة الخندق مباشرة، بل روي أن جبريل نزل إلى النبي وقال: "أوضعت السلاح، ولم تضعه الملائكة"، فأمره بالخروج إلى هؤلاء، وأجلاءهم في حوادث معروفة على هامش معاركه الأساسية مع المشركين.
خيبر ماذا جاءت.. عندما ذهب النبي إلى مكة بقصد العمرة، فمنعه المشركون، وحصل صلح الحديبية كان كما يقول بعض المحققين: أن النبي ما كان يريد أن يدخل في صراع عسكري مع المشركين في مكة؛ لأنه كان يريد أن يعتمر، وأدرك أن هناك مراسلات قد حصلت عندما علمت قريش؛ لأن كان هذا الخروج مكشوف للمشركين في مكة ومن مع قريش من الأحباش ومن معهم، ومن تحالف معهم من الطائف ومن غيرها، أدرك النبي أن مكاتبات قد حصلت مع خيبر؛ لأن تذهب خيبر وهم قوة كبيرة جداً من التجمعات الكبيرة؛ لأن بعض التجمعات اليهودية التي ذهبت سباقاً ذهب جزء منهم إلى خيبر، فأدرك النبي أن معركة هنا، ربما تجعل المدينة مكشوفة لتحركات من اليهود، فلا يعني ذلك أيضاً أنه قدم تنازلات لأهل مكة، أو لمشركي مكة، لم يقدم تنازلات، بل كان ذلك حكمة ذكرها الله في القرآن الكريم في سورة الفتح، أنه ربما يكون هناك معالم معينة، التدبير عندما تنطلق مع الله بصدق، التدبير ما زال بيد الله سبحانه وتعالى، لم تنته المسألة، هو المهم أن تأخذ بالأسباب وتتوكل على الله، فإذا ما توكلت على الله هو من سيهيأ الأسباب، ويجعلها أن تمشي في صالحك، في صالحك حتى ذلك الصراع الذي قد يحصل بين الأطراف.
أدرك النبي أن خيبر ربما قد بدأت تُعد أيضاً للخيانة، عمل النبي صلح الحديبية، وعاد مباشرة إلى المدينة، وخرج فوراً إلى خيبر، وحصل فتح خيبر في السنة السابعة للهجرة، وفي هذا الفتح طُهرت المدينة وربما الجزيرة العربية من المشاكل الخطيرة التي يُمثلها أهل الكتاب، إذاً تفرغ النبي.
لاحظوا من يقول: أن النبي عاهد، يا ليت أنهم يعملون معاهدة مع إسرائيل لسنة، لسنتين، لسبع، لعشر، اليوم أكثر من ستين عاماً وإسرائيل تقتل، حتى بعد التطبيع قتلت امرأة، وهي تقتل يومياً وتقصف وتدمر، التطبيع هو موالاة لليهود والنصارى، كذلك كان لحركة النبي في إطار المواجهة أيضاً مع المشركين، أو في صلح الحديبية لم يعترف، وكان موجوداً في مكة، وكانوا يقولون له: تعال نعبد إلاهك أسبوع، أو شهر، وأنت تعبد إلاهنا، رفض، صلح، الصلح في العادة هو: تكون فيه استراحة معينة لتنفيذ بنود معينة يتم الاتفاق عليها بين الطرفين، في حالة لتنفيذ اتفاق حصل، لا يعني يكون في الاستراتيجية، ولا يكون في المبادئ، ولا يكون في شيء، والإمام علي عليه السلام في عهده لمالك الأشتر يقول: أنه إذا دعاك عدو ما إلى الصلح يكون فيه لله رضا، ليس يأتي الآن الإسرائيلي ويقول: تعالوا اقبلوا بالتطبيع معنا، واعترفوا بنا دولة يهودية محتلة لأرض، ليست أي أرض، محتلة لأرض فلسطين، المقدس العزيز لدى المسلمين، وليست أرضاً لا يوجد فيها أحداً من أهلها اغتصبت أراضيهم، والمغتصب لا يمكن أن يأتي أحد أن يسامح فيه.
كما قال العلامة الشهيد سعيد البوطي عندما تحدث إذا ذهبت دولة معينة لا يحق لها أن تذهب أن تجري معاهدات مع اليهود؛ لأن سلم المسلمين واحد، وعهدهم واحد، فكيف إذا ذهب طرف معين للخيانة، وللولاية، والقبول للاعتراف بإسرائيل يهودية، وهناك أربعة خمسة ملايين لاجئ خارج أراضيهم لم يتم هناك أي حل، هذا انبطاح ليس صلحاً، ولا عهداً، ولا اتفاق، الهدنة قد تكون لإجلاء معاهدات، لإجلاء جرحى، جثامين معينة، استراحة، الآن ما بين حزب الله وإسرائيل هل نستطيع أن نسميه تطبيع؟ ممكن أن نسميه هدنة، ممكن أن نسميه عرفاً بصلح لماذا؟ حزب يُعد، وإسرائيل تُعد، هم في حالة حرب، هل الإمارات والبحرين ومن وقف مع التطبيع هم في حالة حرب، ليسوا في حالة حرب، بل أرادوا أن ينتقل التطبيع إلى حالة الدمج الكامل للهوية، لخدمة المصالح اليهودية، واستخدامهم لهذا المبدأ، أو لمثل هذا الموقف هو لا يعني أنهم كانوا حريصين أنه فقط يريدوا أن يفهموا، حتى بعض العلماء للأسف من يسمون علماء برروا مثل هذا التطبيع؛ لأن هناك ما استدل ببعض ما قام به النبي، ما قام به النبي موضوع آخر، لا هو في إطار اعتراف، ولا في إطار تطبيع، وحاشا النبي أن يفعل ذلك، والدليل أنه في غضون سبع سنوات فقط أجلاء اليهود وكانوا تجمعات كبيرة على هامش معاركه مع المشركين.
* طيب أستاذ محمد في هذا الموضوع، وبناءً على هذا، دعنا نقول: ما هو الموقف الإسلامي من المخالفين الموجودين، سواء من أهل الكتاب وغيرهم؟
نعم، من المهم ونحن في هذه الذكرى أن نستلهم حالة القدوة من النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله، وقد وجدنا من خلال تعامل النبي كيف يتعامل ليس فقط ما يسمى بالأقليات، هناك النبي تعايش مع أهل الكتاب، مع يهود بالأغلب، ومع نصارى، ومع مشركين، ومع منافقين، الله سبحانه وتعالى في إطار توجيهه للنبي، والأحداث التي عملها النبي كانت تثبت أن هناك منهج دلهم الله سبحانه وتعالى عليه للتعامل مع مثل هذه القضية.
الله سبحانه وتعالى ذكر في قصة حاطب بن أبي بلتعة عندما بعث برسالة والنبي كان يُعد إعداد الفتح، وأبلغ المقربين منه ومنهم حاطب وهو بدري أيضاً شهد بدراً، أنه يرتب الآن لتجميع سلاح وما شابه ذلك للذهاب إلى مكة، وكان المشهور بين الآخرين أنه للذهاب لمكان آخر، ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الواقعة باعتبار أن حاطب قام بإرسال رسالة مع إحدى النساء التي وردت إلى المدينة لتقوم بتجميع بعض المكاسب المادية، باعتبار أنها كانت على تحالف معين مع بعض المهاجرين الذين هاجروا إلى المدينة وعادت قام فقدم إليها رسالة، رسالة إلى أهل مكة وقريش يخبرهم فيها بأن النبي يُعد العدة للذهاب إلى مكة، والهجوم عليهم، فجبريل نزل إلى النبي وأبلغه بهذه الحادثة، وذهب الإمام علي عليه السلام ومعه الزبير إلى خارج المدينة بعد أن أخبرهم النبي وذهبوا إلى تلك الضعينة وأخذوا منها الرسالة في قصة معروفة، ثم دعا النبي حاطب ونزلت هذه الآيات، لتوضح ما معنى مستوى العلاقة مع من لديك صراع؛ لأنه في عادة الصراع مع الباطل، قد يكون هناك تداخل أسري، اجتماعي، قبلي، تكون هناك بعض المعروف، وبعض العلاقات، فالله حددها بوضوح، قال الله سبحانه وتعالى في مطلع تلك السورة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي) هكذا الله يقول: (فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) بعدها بآيات يتحدث عن معنى البراءة، ويقدم ماذا قال النبي إبراهيم عندما قال: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) أن موقف الدين والجهاد في سبيل الله، لله هذا لا يمكن أن يدخل في أي علاقات، ثم يقول الله سبحانه وتعالى بعد ذلك: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) إذا هناك مجموعات معينة لديك، في بيئتك، أو معينين وأنت على خلاف معهم، أو في حرب، فليكن التعامل في إطار الحق، وهو الجانب الإنساني، ما له علاقة بحقوق معينة في المأكل، في المشرب، في الملبس، لا تمس أبداً صلب الحركة الإيمانية الجهادية التي أنت تتحرك بها، يقول الله بعد ذلك: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ) وهؤلاء أخرجوكم من دياركم، إسرائيل أخرجت ستة ملايين من ديارهم (وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) لاحظوا هنا حتى من كان له موقفاً مظاهراً معايناً مسانداً على مضايقتك، وعلى حربك، على إخراجك، هذا يعتبر الحديث معه ماذا؟ (وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) إذاً هنا مسألة التعامل.
الفقه الإسلامي يسمي أهل الكتاب أهل ذمة، بمعنى أنهم في ذمة أهل الإسلام، كانوا موجودين في عهد النبي، قد يكونوا موجودين الآن في بعض، نحن لم نعترض على الإمارات والبحرين أنه لماذا قسوتم على اليهود الذين لديكم، هم لا يستطيعوا أن يقسوا على اليهود، هم يعاملون اليهود في مناطقهم أكثر مما يعاملون مواطنيهم؟!، فكيف بمعاملتهم مع أبناء الإسلام؟!! الذين هم لديهم، إما عمال، أو موظفين معينين، هؤلاء خارج مبادئ القرآن، هؤلاء خارج مبادئ الإنسانية، هؤلاء لم يأتِ يوماً ما أحد فيقول: إذا كان هناك يهود معينين في مرحلة معينة يجب أن تقتلهم، لا.. عليه أن يلتزم بتعاليم الإسلام، وهناك بعض المفاهيم الفقهية، أو المعالم الفقهية التي توضح حالة أهل الذمة، أو أهل الكتاب، في إطار معين، ولكن في إطار لا يظاهروا، ولا يقاتلوا، ولا يكون لهم أي دور على الإطلاق، بل يقفوا ليدفعوا كل ما هو عليهم من حقوق أو ضرائب أو التزامات أو مصالح، أو حروب، يقوم بها المسلمون لحماية أرضهم، فقد نظم الله سبحانه وتعالى هذا في القرآن في آيات كثيرة، ومن يذهب إلى مسألة التطبيع فإنما هو ليس بحاجة آيات قرآنية، ولا الاهتداء والاقتداء بالنبي، هو ذهب لغايات أخرى، وللأسف إنما هم يستخدمون ويا ليتهم ذهبوا بخيانتهم وتركوا التضليل على الناس لاستخدام مثل هذه الآيات القرآنية، أو بعض تحركات النبي، وحياته العملية.
* أستاذ محمد أصل معك هنا إلى الختام، ومن المواقف اليمنية المشرفة بالاحتفال بالمولد النبوي الشريف على صاحبه وآله أفضل الصلاة والسلام، ما هي الرسالة التي يطلقها اليمنيون عبر هذه الاحتفالات غير المسبوقة؟
من الشرف الكبير للشعب اليمني الذي وقف إلى جانب النبي في رسالته العظيمة، الرسالة الخالدة، الرسالة التي هي من أفضل الرسالات، ومع خاتم الأنبياء، وخاتم المرسلين موقف مشرف عندما خرج النبي من مكة مهاجراً بشكل سري بعد مضايقة كبيرة جداً ليذهب إلى الأنصار، إلى تلك القبيلتين اليمنيتين الأوس والخزرج وهم من الأنصار الذين مدحهم الله في القرآن، وكان النبي دائماً في مواقف عديدة يشيد بالأنصار، ونحن نعتقد أننا في هذه المناسبة أيضاً نحن نتحدث عن النبي من المهم ونحن نستلهم من النبي القدوة في حركته أن نتحدث عن موقف للأنصار حصل مع النبي صلوات الله عليه وعلى آله بعد غزوة حنين، فيما له علاقة بالغنائم بعد ما حصر الطائف وحصر الغنائم وكان هناك فتح دخل الكثير من المؤلفة قلوبهم إلى الإسلام، فقام النبي صلوات الله عليه وعلى آله بتوزيع الغنائم بشكل كبير جداً إلى هؤلاء المؤلفة قلوبهم من أبناء من قريش كأبي سفيان وابنه معاوية وغيرهم من أعمامهم وما شابه ذلك ممن لم يدخلوا الإسلام أو ما يسمون بمسلمة الفتح، دخلوا الإسلام بعد الفتح، وكان ما زال إسلام البعض منهم غير ثابت، كان دخل في نفوس الأنصار لم يصرف لهم النبي شيئاً، والنبي كانت له حكمة في ذلك.
ومثل ما ذكر السيد حسين: النبي لم يكن يصرف فلوس من أجل أن يؤمن أحداً، إنما كان النبي يتحرك في إطار الدولة الإسلامية، كان يريد أن يقدم رسالة للجزيرة العربية ولمن خارج هذه الجزيرة، النبي هو كما قال الله رحمة للعالمين، وهو يتحرك لا يقيم لهذه الدنيا أي اعتبار، فحصل أن بعض الأنصار لم يفهموا هدف النبي ومغزى النبي، والنبي هو مدرسة في الأخير، ونحن أيضاً نقتدي من النبي، ومن الأنصار، ونستفيد في واقعنا العملي اليوم، حصل كلام حتى أن قالوا: لقي الرسول قومه، أو كأنه نسينا النبي وقد عاد إلى قومه، وهو أراد أن يعطيهم العطاء على حسابهم، فكثر الحديث حتى أصبحت مقولة تنتشر في أوساط الأنصار، فبلغ ذلك سعد بن عبادة فذهب إلى النبي وأخبره، فقال النبي أو كما يروى لدى البعض، ما موقفك أنت؟ قال: أنا من قومي، أنا سمعت هذا الحديث، فقال له النبي: إجمع لي الأنصار إلى هذه الحضيرة، فجمع سعد قومه من الأنصار فخطب النبي فيهم بعد أن حمد الله وأثنى عليهم، ثم قال: "معاشر الأنصار، ما مقالة بلغتني منكم، مقولة، أو شيء بلغني عنكم، فسكتوا، قال: ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي في بعض الروايات، ألم تكونوا عالة فأغناكم الله، ألم تكونوا أعداء فألف الله بين قلوبكم؟، قالوا: بلى، الفضل لله والمنة، الفضل لله ولرسوله، قال: ما مقالة بلغتني أنكم معاشر الأنصار، أدخل في قلوبكم وجدة، أو غضاضة في قلوبكم بسبب لعاعة من الدنيا، يسير من الدنيا قدمته، أعطيت المؤلفة قلوبهم لأشجعهم على الدخول في الإسلام، وكلتكم إلى إسلامكم، ألا يكفيكم أن يذهب هؤلاء بالشاة والبعير، وتذهبون معكم رسول الله، موقف موقف عظيم جداً، طبعاً في هذا السياق عندما قال النبي: ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله، وأعداء فألف بين قلوبكم، سكتوا، قال: أما لو شئتم معاشر الأنصار لأجبتم ولقلتم فصَدقتم وصُدقتكم، يعني أنتم كنتم قادرين أن تقولوا: ألم تأتينا طريداً فآوينك، ووحيداً فآزرناك، فتنبه الأنصار إلى هذا الموقف وبكوا بكاءً شديداً، وقال لهم النبي: إن هؤلاء حديث عهد بالإسلام، يشجعهم على الإسلام، وزرعنا لهم فتات الدنيا، ووكلناكم إلى إسلامكم، إلى وعيكم، إلى الإدراك لأهمية هذه البصيرة، فدعا النبي للأنصار دعاءً، وقال: لو لم أكن أنا من المهاجرين لكنت من الأنصار، ودعا للأنصار وأولاد الأنصار وأولاد أولاد الأنصار، دعا لهم بالهداية والتوفيق، فبكى الأنصار حتى غرقت لحاهم، وسمع صوتهم، وقالوا: رضينا بالله وبرسوله، ولا نريد غير رسول الله شيئاً.
موقف الأنصار اليمانيون الذين كانوا يهبوا في كل موقف لنصرة الإمام علي عليه السلام، وهو من سار على خط الرسول، بمنهج الرسول موقف مشرف، وكبير جداً، وشاء الله لهذا الشعب اليمني أن يكون له دوراً كبيراً جداً، كما نلحظه اليوم، وليس في هذا العام، بل في كل عام أنه يخرج ليقول للرسول، ولا شك أن النبي يسمع هذا الكلام، يسمع مواقف اليمنيين أن يخرجوا في زمن يساء إلى النبي، يُخالف منهج النبي، يُحرَّف منهج النبي، يُزوَّر منهج النبي، ويخرج الشعب اليمني في حرب وفي حصار ليصرخ في يوم واحد بل في هذا الشهر الذي نعيشه بالكامل في هذه الأيام قبل يوم المولد وهو يلهج بذكر النبي، احتفاءً وفرحاً واستبشاراً، يكفينا أن نكون في هذا الموقف المشرف، ويكفي اليمانين فخراً عند الله سبحانه وتعالى، وعند خلقه أن يجددوا العهد للبني، ولله، ولكتابه، أن يسيروا وأن نسير جميعاً كما سار آباؤنا وأجدادنا من الأنصار الذين وقفوا مع رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، ولنستلهم من هذه الذكرى، كما نستلهم من حياة النبي، وحياة العظماء الذين ساروا بعد النبي، أن نقف دائماً، وأن نكتفي بما يقربنا إلى الله، وأن يجعلنا مقبولين عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن هذه الأحداث التي نقرأها تاريخية، أنه يوماً ما سنكون تاريخاً، وسيسجل الله من صدق وأخلص معه، ويحق لهذا الشعب اليمني أن يفخر، فتاريخه تاريخ عظيم، تاريخه تاريخ مشرف، أكثر إشراقاً حتى من أولئك الذين يعتدون عليه.
كان النبي يقول: "ما لي ولقريش، ما لي ولقريش، لو تركوني أنا وبقية العرب" لكن أبى الله إلا أن يتم نوره، وأن تكون هناك مواقف تتحرك، وأن يستبدل بعض الذين كانوا متكبرين وطغاة أن يستبدلهم بالعظماء، بمثل الأنصار، وبمثل المسلمين الآن في أقطاب الأرض الذين يحتفون في آسيا، ويحتفون في المغرب العربي، يحتفون في مناطق ليست عربية احتفاء أكثر من بعض العرب للأسف الشديد، ولكن الشعب اليمني هو سيتصدر هذا الموقف ليجدد العهد لله ولرسوله، كما دعا إلى ذلك السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي الذي يسير بنا بسيرة رسول الله في السلم، وفي الحرب، وبسيرة القرآن، وبمنهج النبي الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله.

(نص + فيديو) كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول مستجدات العدوان على قطاع غزة وآخر التطورات الإقليمية والدولية 17 ذو القعدة 1446هـ 15 مايو 2025م

(نص + فيديو) كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول مستجدات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والتطور ات الإقليمية والدولية 10 ذو القعدة 1446هـ 08 مايو 2025م

(نص + فيديو) كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في الذكرى السنوية للصرخة وحول آخر مستجدات العدوان على غزة والتطورات الإقليمية والدولية 03 ذو القعدة 1446هـ 01 مايو 2025م

(نص + فيديو) كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول مستجدات العدوان على غزة وآخر التطورات الإقليمية والدولية 26 شوال 1446هـ 24 أبريل 2025م