• العنوان:
    صهوة وطن تودع فارسها..
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    ارتبط مفهوم الفروسية عبر التاريخ بصورة الرجل الممتطي فرسا المقاتل مع جماعته أو قبيلته دفاعا أو هجوما، بالإضافة إلى امتلاكه مهارات فن امتطاء الخيل وحسن استخدام الأسلحة من عليها أو من على الأرض، مثل السيف والرمح والقوس، والأسلحة المحرقة والآلات والمعدات الأخرى التي تستخدم لاقتحام الحصون وكسر الزحوف وفك الحصار، إضافة إلى الإلمام بطب الخيول والبيطرة، وفهم الحيل والمناورات والخطط الحربية، وإتقان مهارات أخرى قد تطبق خلال الحرب كالسباحة والمصارعة والصيد والقدرة على مقاومة التعب. إضافة إلى ذلك فقد تنمطت صورة الفارس في المجتمعات العربية والإسلامية بالتحلي بقيم الشجاعة والشهامة والإيثار وغيرها من القيم الحميدة. فماذا عن مفهوم الفروسية اليوم؟
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:
    حسن زيد

لا شك أنه مفهوم يحقق الغاية ذاتها وهي الدفاع عن المجتمع والوطن، لكنه تجاوز ركوب الخيل أو الخيالة، وبات مفهوما واسعا يغطي مجموعة من السلوكيات العملية التي إذا ما التزم بها أحد الأشخاص استحق أن يحمل صفة الفارس المقاتل دون أن يكون مقاتلا حربيا.

ولما للفروسية من ارتباط أصيل بهوية الشعب اليمني وآثار إيجابية على صعيد توارث القيم الحميدة فقد استهدفت هذه الفروسية من قبل أعداء اليمن المحليين والخارجيين، واستهدف فرسانها أيضا، في عملية ممنهجة حاولت إقصاء الفرسان وتدجين الرجال.

لقد أحدث نظام عفاش تغييرا قيميا لدى أبناء اليمن حتى بات الفارس بنظر الكثير منهم هو ذلك الرجل الثري ذي النفوذ، بغض النظر عن أخلاقه ومصدر ثرائه ومدى علمه والتزامه بالقانون، ساعد على ذلك إقصاؤه لرجال الوطن الشرفاء من المشهد، بل ومحاصرته لهم والتضييق عليهم في حياتهم ومصادر عيشهم.

وإزاء ذلك استهوى الفاسدون في نظام عفاش - لأكثر من ثلاثة عقود - هذا التميز الفروسي الزائف غير الحقيقي، لإدراكهم أنهم طبقة فاسدة منفصلة عن بقية المجتمع لا تمت للفروسية بصلة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى سعى المحبطون والانتهازيون وأشباههم إلى الدخول في صفوف تلك الطبقة لنيل التميز المكذوب، ودون أي اعتبار لما يستلزمه مفهوم الفارس من توافر مزيج من القواعد الخاصة بالسلوك والأخلاق التي يجب على الفرسان الالتزام بها.

أخذ نظام عفاش يبرم صفقات شراء الذمم والولاءات في كواليس مظلمة، فرأينا الكثير من فرسان اليمن يصبحون دجاجا في بلاطه وعهده، يجمعهم هاجس واحد هو السلطة وثمارها، كانوا على درجة عالية من انعدام الشرف، والتباغض إلى درجة التعاون مع العدو ضد بعضهم بعضا في سبيل مطامع شخصية قصيرة الأمد، كانت عاقبتها وبالا على اليمن الإنسان والجغرافيا.

فهاهي اليمن تعرضت على يد عفاش وكل من دجنهم لسلسلة من الخيانات وصلت حد المشاركة في تحالف العدوان الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي الإسرائيلي على اليمن منذ ما يقارب ستة أعوام حتى اليوم.

وعلى النقيض ثبتت قلة قليلة من الفرسان، أكتب عن أحدهم اليوم بمناسبة قرب أربعينية استشهاده، أداء لواجب ووفاء لرجل وفاء كان فارسا له من قوة الشخصية والحزم ما يجعل خصمه يرتبك حين يقف أمامه، ومع ذلك كانت قوة لا تتجاوز أبدا تقديم الاحترام لمن يستحق حتى وإن كان أقل مكانة.

أكتب عن رجل نبعت قوة شخصيته من ثقته العالية بالله أولا، وبالنفس ثانيا، فحتى وهو يواجه الكثير من الضغوط المعنوية والمادية كان يسيطر على الأمور ويخرج من كل عاصفة بسلام منتصرا ومتأهبا لمجابهة أخرى.

ولأنه كان كذلك فقد كان من هواة ركوب الصعب، مضطرا وغير مضطر، يخوض التحدي غير هياب، وعند كل الهزات والزلازل التي يمر بها كان فارسا ماهرا في ثباته على ظهر الأحداث والتحولات، بينما كان يتساقط آخرون بتجردهم من شرف الفروسية وتخليهم عن المبادئ والقيم رغم أن ما تعرضوا له لا يماثل ما عاناه، لقد ثبت وتميز لأن فروسيته المنطوية على أخلاق وقيم فرسان اليمن كانت خير وسيلة لتغلبه على كل التحديات.

أكتب اليوم عن الفارس الشهيد الوزير حسن محمد زيد، الذي يشهد الجميع بشجاعته وقوته، فقد كان في كل منعطف خطير مر به اليمن منافحا عن العدل جريئا في الحق، يتوهج حضورا كلما أخرست الألسن وصمت الآذان وأغمضت الأعين.

أكتب عن هذا الفارس الذي حين كانت تتعاظم الخطوب ويصبح فيها قول الحق جريمة وفعل المعروف جناية ويتوارى الجميع كان لا يستسلم، بل يمتطي صهوة جواد الحق كرّا وفرّا، كما يفعل جواد امرؤ القيس

(مكرٍّ مفرٍّ مُقبلٍ مدبرٍ معًا * كجُلمود صخرٍ حطّه السّيلُ من عَلِ) يهجم ويتراجع ليهجم ثانية بصورة أشد مرة بعد أخرى.

وإذا كان مفهوم الفروسية يرتبط بمفهوم حماية الآخرين والترابط معهم، فيمكن القول إن الفارس حسن زيد كان من ذلك النوع من الفرسان الذي يمكن الاعتماد...

تغطيات