• العنوان:
    الجريمة المنسية
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    في ذلك الزمان، في ذلك المكان، ومنذ وقت مبكر حيث لا شرعية ولا إيران ولا أيّ من المبررات والذرائع التي يُقتل بها الشعب اليمني الآن، بين تلك الجبال والقفار حيث يمضي أكثر من ثلاثة آلاف حاج لبيت الله الحرام، في ظهيرة يوم 17 ذو القعدة 1441هـ، في تنومة، عندما وضع حجاج بيت الله الحرام أمتعتهم لأداء الصلاة و تناول الغداء، كان العدو الغادر يتربص بهم الدوائر للقضاء عليهم، فما إن حانت الفرصة لجرمه ووحشيته حتى انقض على من حج ملبياً قاطعاً المسافات الطويلة على الراحلة أو مشياً على الأقدام، رمياً بالرصاص تارة، ومن جرح منهم أجهز عليه ذبحاً بالسكاكين، حتى بلغ عدد القتلى بالمئات.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

وما أن انتهى من جريمته الكبرى في تنومة حتى توجه لارتكاب جريمته الثانية في سدوان بحق المئات من الحجاج، ولم ينج من المجزرتين سوى القلة التي كانت شاهدة على تلك الجريمة البشعة والمروعة، التي تُعد من أبشع الجرائم في التاريخ الإنساني، على يد من انتزعت منهم القيم الدينية والإنسانية، بحق حجاج كان هدفهم أداء مناسك الحج في بيت الله الحرام، ولم يكن هناك سبب سوى أنّهم ينتمون لبلد يشكل أبناؤه خطورة على المشروع الشيطاني في المنطقة، للسيطرة عليها وتدميرها ونهب ثرواتها. خاصة بعد ما رأت موقف الإمام يحيى حميدالدين من بريطانيا ورفضه التحالف معها في حربها مع الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى، وإمداد الإمام يحيى الدولة العثمانية بالحبوب والمواد الغذائية أيام الحرب؛ لاعتقاده بحرمة التحالف مع بريطانيا النصرانية وحلفائها ضد الدولة العثمانية المسلمة، والذي أدّى إلى انزعاج بريطانيا التي كانت تعمل لتهيئة الأوضاع والظروف في شبه الجزيرة العربية لتحقيق مشروعها ومصالحها، ومنها إقامة الكيان الإسرائيلي في فلسطين. لذا قامت بمحاربته وحصاره والعمل على إضعافه، وتقوية عبدالعزيز بن سعود حليفها في المنطقة ويدها الضاربة، الذي كشفت الوقائع والوثائق دوره البارز في التخلي عن فلسطين وبيعها مقابل 20 مليون جنيه دفعتها بريطانيا له وفق الوثيقتين المحفوظتين في الأرشيف البريطاني تحت رقم 18/443/733  CO و 19/443/733 CO، وكلاهما تعودان للعام 1943م/ 1362هـ.

ودور ابن سعود في إخماد الثورة الفلسطينية ضد المشروع الإسرائيلي الاستيطاني عام 1936م/ 1355هـ، بمساعدة بريطانيا، والذي لاقى تأييداً في العالم الإسلامي، حيث استخدم أسلوب التهدئة مع الثوار الفلسطينيين، وإيهامهم أنّ بريطانيا عازمة  على حل القضية الفلسطينية، مع أنّها من خطط ونفذ لاحتلال فلسطين وقمع الثوار من أبنائها.

لقد كان السبب لارتكاب مجزرة الحجاج الكبرى سياسياً بالدرجة الأولى، عدا الأسباب العقائدية التي تتخذها الوهابية ذريعة لقتل من يخالفهم، وتكفيرهم واعتبارهم مشركين وضالين، لاستباحة دمائهم وأعراضهم، وهذا ما حدث في تلك المجزرة كما يحدث الآن من مجازر في مختلف البلدان واستباحة دماء المسلمين وأعراضهم.

وعلى الرغم من وحشية الجريمة فإنّ الكثير من الباحثين والمؤرخين لم يتجرأوا على تناولها لهيمنة السعودية على كثير من البلدان وتدخلها في شؤونها، وعدم السماح لأيّ كان بتناول تاريخها وشؤونها السياسية إلا بما يتوافق مع سياستها ومصالحها، فكانت أغلب الكتابات تتجه الاتجاه الذي يتلاءم مع التوجه السعودي.

ويعود الفضل في عصرنا الحاضر للكشف عن أبعاد هذه الجريمة الفظيعة وتفاصيل أحداثها للباحث الدكتور حمود الأهنومي، الذي تناولها بشكل مستفيض، موضحاً أدق التفاصيل والملابسات وراء ارتكابها.

ومثلما كانت السعودية وحلفاؤها يرون في اليمنيين خطراً يتهدد مصالحهم، فهم ما زالوا ينظرون إليهم نفس النظرة، وما يتعرض له اليمن من عدوان غاشم وحصار ظالم بقيادة السعودية وحلفائها عندما خلع هذا البلد ثوب الوصاية والتبعية لهم منذ ثورة 21 سبتمبر 2014م، التي كانت سبباً في قلق وغضب السعودية وحلفائها من الأمريكيين والإسرائيليين ومن دار في فلكهم، وقيامهم بشن عدوانهم الظالم والغاشم منذ فجر 26 مارس 2015م وحتى الآن، وتسببهم في حدوث أسوأ كارثة إنسانية؛ لهو خير شاهد على ذلك.

وكما عملت على قتل آلاف الحجاج اليمنيين قبل مائة عام، فقد تعمدت بعد ذلك على قتل الألآف من الأبرياء بعدوانها على اليمن.

كذلك التسبب في الكثير من الحوادث في مواسم الحج التي أدت إلى قتل المئات من الحجاج من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وعملت أيضاً على تقليص عدد الحجاج المسلمين وحصرهم في أعداد معينة، لخطورة الحج على المشروع الصهيوني، حتى أدى الأمر لأن تمنع الحج لهذا العام بذريعة وباء كورونا، في حين أنّها تفتح الأبواب على مصراعيها أمام الترفيه ودور السينما، ليعلم الجميع بأن دول الاستكبار العالمي هي وراء كل ما يحدث من عراقيل لأداء هذه الفريضة العظيمة، وهي من تلعب الدور الكبير في تشكيل الأوضاع في المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام.

وسيستمر الوضع من سيء إلى أسوأ حتى تستيقظ الأمة من سباتها العميق، وتقوم بواجبها لمقاومة العدو الحقيقي الذي أوصلها إلى هذا المستوى من الذل والخضوع والاستسلام. هذا العدو الذي حذرنا الله منه ومن خطورته على المسلمين في كتابه الكريم، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا).

 

تغطيات