مزاعم تدمير البرنامج النووي الإيراني.. ترامب لا يقنع إلا نفسه

تقارير وأخبار خاصة| إبراهيم الديلمي| المسيرة نت: يسوق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإصرار عجيب دعاياته المتمثلة "بتدمير المنشآت النووية السلمية الإيرانية"، محاولاً إقناع الآخرين بأن ذلك قد حدث بالفعل حتى وإن صدرت تقارير استخباراتية من إدارته تقول عكس ذلك.

يدرك ترامب أن كلامَه غير واقعي؛ فالمنشآت النووية الإيرانية ذات تحصين قوي جِـدًّا يصعب اختراقها، وإيران كدولة عظيمة لا يمكن أن تتجهَ نحو الطاقة النووية ببناء منشآت في الصحراء أَو أماكن خاوية، فهي تدرك المخاطر، وتعي جيِّدًا نوايا الأعداء تجاهَها منذ انتصار الثورة في سبعينيات القرن الماضي.

وطيلةَ سنواتٍ كثيرة، ظل البرنامج النووي الإيراني السلمي محلَّ جدل كبير؛ فأمريكا والدول الغربية تنظر إليه باشمئزاز، وكيان العدوّ الإسرائيلي يعتبر البرنامج خطرًا على وجوده؛ ولهذا عانت إيران من الحرب القذرة على كافة المستويات، ومارست أمريكا وكيان العدوّ الكثير من أساليب وأشكال التدخل ضد إيران وبرنامجها النووي، بدءًا بفرض العقوبات، والعمليات السرية، وتنفيذ الاغتيالات، والحرب السيبرانية (Stuxnet)، وانتهاءً بالعدوان العسكري على إيران فجر الجمعة، 13 يونيو الماضي.

كل المعطيات تؤكّـد أن كيان العدوّ الإسرائيلي قد بدأ العدوان على إيران بناء على قراءات خاطئة، فقد توهم أن باستطاعته تغيير النظام من خلال عمليات الاغتيال التي طالت قيادات الحرس الثوري الإيراني، واعتقاده بأن الشعب الإيراني سينتفض من الداخل ضد الجمهورية الإسلامية، وبذلك يحقّق ما عجز عنه سنوات، وفي مقدمة ذلك القضاء على البرنامج النووي، غير أن الرياح جرت عكس ما تشتهي واشنطن و[تل أبيب].

ولأن الكيان المؤقت بدأ في الغرق والانهيار جراء الرد الإيراني غير المتوقع؛ فقد سارعت واشنطن للانخراط في العدوان على إيران، معلنة في فجر 22 يونيو تنفيذَ عمليات عسكرية طالت منشآت إيران النووية [فوردو، نطنز، أَصفهان] في عملية سُمِّيت بـ (عملية مطرقة منتصف الليل)، مشيرة إلى أن العملية نُفِّذت باستخدام قنابلَ متعددة من طراز GBU-57A/B MOP بوزن 30000 رطل، تحملها قاذفات الشبح B-2.

وعلى الرغم من الحملة الإعلامية التي تبنَّاها ترامب شخصيًّا ومزاعمِه بتدمير المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك، وهو ما أعلنت عنه إيران من أن الضربة قد فشلت في اختراق المنشأة الأَسَاسية.

البرنامج النووي لم يدمّـر:

واقعيًّا لو أن أمريكا نجحت في مسعاها، لكانت الأدلة على ذلك دامغة، لكن واشنطن لم تتمكّن من تقديم أي دليل واحد يثبت مصداقيةَ ترامب، بل إن الصحافة الأمريكية ذاتها نشرت عدة تقارير تؤكّـد فشل المهمة الأمريكية في إيران، حَيثُ عرضت قناة الـ CNN الأمريكية تقريرًا أفاد بأن البرنامج النووي الإيراني رغم تضرره سيعاود العمل قريبًا، ومع ذلك يُصر مهرِّجُ البيت الأبيض دونالد ترامب على الطعن في ذلك التقرير والقول بأن "نووي إيران قد دُمّـِر بالكامل"، وأن استئناف العمل على البرنامج النووي الإيراني بات ضربًا من المستحيل.

تستطيع أمريكا أن تسوّق انتصاراتها لو تمت بالفعل؛ فلديها الأقمار الصناعية، ومن خلالها يتم تصوير منشأة [فوردو] الإيرانية، ويتم رصد حركة الدخول والخروج منها، ولو حدث تدمير للمنشأة لتم التقاط صور لدخان أَو إشعاعات أَو غير ذلك، لكن هذا لم يحدث، إضافة إلى أن تصريحات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 26 يونيو 2025 أكّـدت أن: “البرنامج النووي الإيراني لم يُدمّـر رغم الأضرار، وأن التخصيب مُستمرّ بنسبة 60 %".

وعلاوة على ما سبق، فإن تصريحاتِ ترامب نفسه توحي بأن أمريكا قد أخفقت في جولتها مع إيران، والدليل على ذلك دعوات ترامب لإيران للجلوس على طاولة المفاوضات رغم إصراره على الزعم بتدمير برنامجها النووي، وَلو فرضنا صدقَ سردية التدمير لانتفت ضرورة العودة للمفاوضات.

ومن الشواهد على أن البرنامج النووي لم يمس أن إيران نفسها تؤكّـدُ باستمرار أن “التخصيب لم يتوقف وأن هناك منشآتٍ بديلة تحت الأرض ستدخل الخدمة.

تحصينات قوية للمنشآت النووية:

وبالإضافة إلى ذلك، يؤكّـد معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن: "إسرائيل وَجَّهت ضربةً تكتيكيةً ناجحة لكنها فشلت في تحقيق نصر

 استراتيجي"، وكذلك يفيد مركز "ستراتفور" الاستخباراتي أن “القدرات النووية الإيرانية مصمّمة على الصمود، وقد تم تعويض معظم الخسائر اللوجستية خلال أيام".

كما نقلت CNN تصريحًا لجنرال أمريكي سابق أكّـد فيه أن "تدمير البرنامج النووي الإيراني يتطلب حملة عسكرية كاملة تمتدُّ لأسابيعَ وربما أشهر... لا مُجَـرّد غارات لعدة أَيَّـام. "

وبناءً على كُـلِّ ما سبق ندركُ دونَ أدنى شك أن العدوان الصهيو أمريكي قد فشل بالفعل، وأن فشلَه يعني انتصار إيران، وأن ثمة جولاتٍ أُخرى للمواجهة والصراع، والفشل فيها سيكون حليفَ المجرمين المعتدين وذلك لعدة عواملَ أهمها العقيدة الدينية الإيرانية القائمة على مناهضة المعتدين استنادًا على المَدَد والقوة الإلهية، إضافة إلى أن المنشآت النووية الإيرانية موجودة تحت الأرض (خَاصَّة فوردو) وتتحمل الهجمات التقليدية.

كما أن إيران تعتمد على كوادرَ محلية لا أجنبية، ويمكنها استئنافُ العمل بسرعة، إضافة إلى التوزيع الجغرافي، حَيثُ لا توجد منشأة مركزية واحدة بل عدة مواقعَ في مناطق مختلفة، كما أن إيران تتقن أُسلُـوبَ التتويه والتمويه، ويُعتقَدُ أنها تملِكُ منشآت لم تكشفْ عنها الوكالةُ الدولية.